متلازمتي

Img 20250206 Wa0109

 

بقلم:- سلسبيل حسين 

في خضمّ صباي، كنتُ أشعر بأنني غريبة في عالم لا مكان فيه لمن يختلف عن القاعدة. بينما يركض جيلي في الحقول ويمرحون، كنت أنا التي تختبئ في الزوايا، أراقب الحياة من بعيد وكأنني لست جزءًا منها. كانت أصابع الجميع تشير إليّ بالنقص، وكأنني أفتقد شيئًا أساسيًا يجعلني “طبيعية”. شعرتُ كأنني لا أنتمي لعائلتي، وأنني غريبة عن هذا الواقع. في تلك اللحظات، كانت معاناتي تبدأ في الظهور، متلازمة ظننتُ في البداية أنها مجرد عارض عابر. لكن ما مرّ من الوقت جعلني أكتشف أنها لم تكن مجرد حادث عارض، بل كانت جزءًا من معركة مستمرة.

 

تبدأ معاناتي مع متلازمة Trichotillomania التي عشت معها سنوات طويلة. في كل فترة، كنت أجد نفسي في حالة توتر شديدة، وفجأة أجدني أعبث بشعري بطريقة غير واعية، كأنني أحاول الهروب من شيء أكبر، شيء يضغط على أعصابي ولا أستطيع تحمله. مع مرور الوقت، بدأت آثار هذه الحركات تظهر على شعري، حتى وصل الأمر إلى درجة الصلع، وكان هذا بالنسبة لي أكبر محنة. كنت أرى شعري الذي طالما كان مصدر فخري يتساقط بين يدي، وأشعر بأن جزءًا من هويتي يختفي. لم أعد أستطيع تصفيف شعري كما كنت أفعل سابقًا، ولم أعد أذهب إلى الحفلات العائلية. أصبحت مشاعر الخوف والعار جزءًا من حياتي اليومية، وكان التنمر الذي كنت أتعرض له يزيد من إحساسي بالضعف والعجز، وكأنني لست إنسانة تملك قلبًا وشعورًا مثل الآخرين.

 

مرت سنوات، وأنا أسير في هذا الصراع مع نفسي. كنت أبحث عن مكانٍ لي في هذا العالم، لكنني كنت أعيش في دوامة من التفكير المفرط، تجذبني إلى قاعٍ من القلق والشك. كنت أرى نفسي في مرآة الحياة، وأشعر بالضياع. حتى صديقاتي، اللواتي قد يكنّ أطول قامة أو أفتح لونًا، كنت أراهن أكثر “مثالية” مني. وأتساءل: هل أصبح العالم بهذه القسوة؟ هل أصبح القبول بهذا الشكل من المستحيل؟

 

لكن الحقيقة التي اكتشفتها مع مرور الوقت هي أن هذا القلق وهذه المعاناة لا تصنعني شخصًا ناقصًا. كنت جميلة في كل حال، كنت تلك الطفلة التي تحب اللعب واللهو، تلك التي تملك قلبًا نابضًا بالحب والتفاؤل، بغض النظر عن شعرها أو ملامحها. الجمال ليس في أن تكون مشابهًا للآخرين، ولا في أن تطابق معاييرهم. الجمال الحقيقي يكمن في القدرة على الإيمان بالذات، على أن تكون أنت، بغض النظر عن التحديات التي تواجهك.

 

لقد تعلمت شيئًا عميقًا: أنني لست بحاجة للاعتراف أو القبول من أحد. إن ما يهم هو أنني أقبل نفسي كما هي، وأفهم أن المتلازمة التي عشتها ليست عائقًا، بل جزء من تجربتي الخاصة التي جعلتني أقوى. ليس المهم أن أكون مثل الآخرين، بل أن أكون صادقة مع نفسي، وأن أتمسك بمصداقيتي الداخلية. وفي هذا يكمن السلام الحقيقي.

 

لكن في النهاية، اكتشفت أنني لست بحاجة إلى موافقة الآخرين أو تصحيح ملامحي ليحددوا هويتي. المعركة التي خضتها، رغم قسوتها، جعلتني أكتشف قوتي الحقيقية. فقدان الشعر لم يكن هو ما جعلني أضعف، بل كان حافزًا لي لأجد القوة في داخلي وأتعلم كيف أواجه الألم وأستعيد توازني. الحياة لا تقاس بما نملكه، بل بما نصنعه من داخلنا، بما نؤمن به عندما تهتز الأرض تحت أقدامنا. اليوم، أصبحت متصالحة مع نفسي، وأدركت أن الجمال يكمن في قدرتي على النهوض، وفي أنني كافية كما أنا، بغض النظر عن رأي الآخرين.

عن المؤلف