الصحفية: خديجة محمود عوض.
بين حروفها تختبئ أسرار، وفي كلماتها تنبض حكايات لم تُروَ بعد.. في حـوار استثنائي مع الصحفية خديجة عوض، تكشف الكاتبة “رحمة وائل ” عن ملامح رحلتها الأدبية، التي تجاوزت حدود الورق، وجابت عوالم الفكر والإبداع.. هُنا، حيث تتقاطع العواطف مع الأفكار، وحيثُ يبوح القلم بما خُفيّ خلف الكواليس، لنُبحر معًا في رحلة تكشف عن جوهر الأدب العربي..
___
قبل أن نبدأ حوارنا هل لكِ تخبرينا بنبذة تعريفية عنكِ؟
_رَحْمَة وَائِل
“سبعة عشر عامًا قريبًا أتم،
وما بين الماضي والحلم أحلم،
طريق جديد أمامي يبتسم،
فهل أكون ما بين الخطى منعم؟”
_الكتابة بالنسبة لي ليست مجرد وسيلة، بل هي جزء من كياني الداخلي. إنها طريقة للتعبير عن مشاعري وأفكاري التي لا أستطيع أن أقولها بالكلمات العادية، الكتابة تشكل مساحة آمنة لي لأعيش فيها وأستكشف أفكاراً ربما كانت غير مرئية بالنسبة لي في اللحظات العادية، الكلمات، بالنسبة لي، ليست مجرد حروف، بل هي رموز تحمل أوجاعاً، أحلاماً، وتحديات، وتصبح جزءاً مني مع كل كلمة أكتبها
أخبريني في البداية، كيف تصفين علاقتك بالكلمات؟ هل ترين الكتابة مجرد وسيلة للتعبير أم أنها جزء من كينونتك الداخلية؟
من أين تبدأ القصة بالنسبة لكِ؟ هل هي فكرة أولية، أم موقف حياتي، أم رحلة شخصية تقودكِ إلى الكتابة؟
_بالنسبة لي، تبدأ القصة من نقطة انطلاق غير محددة، ربما تكون فكرة عابرة أو موقف حياتي عميق، أحياناً تكون الكتابة مجرد انعكاس لمشاعر أو تجارب شخصية تحملني إلى عوالم لم أكن أعيها قبل ذلك، قد تبدأ القصة بموقف عابر يحفر في ذاكرتي، أو تكون رحلة شخصية تبدأ من الأسئلة التي أطرحها على نفسي، أجد أن الكتابة لا تتبع دائماً خطة واضحة، بل هي مثل اكتشاف لشيء كان مختبئاً في أعماقي، وكل كلمة تخرج مني تكشف عن جزء من هذا العالم الداخلي.
هل تعتقدين أن الكتابة يمكن أن تكون وسيلة للتغيير المجتمعي؟ وكيف تسعين لترك بصمة تؤثر على القارئ؟
_نعم، أعتقد أن الكتابة يمكن أن تكون وسيلة قوية للتغيير المجتمعي، الكلمات تحمل قدرة هائلة على إثارة الوعي، تسليط الضوء على قضايا مهمة، وإلهام التغيير. عندما تلمس الكتابة قلوب القراء وتفتح عيونهم على تجارب وأفكار جديدة، يمكن أن تبدأ موجة من التفكير المختلف.
أما بالنسبة لترك بصمة تؤثر على القارئ، فأنا أسعى دائماً إلى أن تكون كتابتي صادقة ومؤثرة. أريد أن يشعر القارئ أن الكلمات التي أكتبها لها صدى في قلبه أو عقله، سواء كانت تثير تساؤلاته أو تلامس مشاعره العميقة، أعتقد أن البصمة الحقيقية تأتي عندما تترك الكلمات أثراً يستمر بعد الانتهاء من القراءة، وتحفز القارئ على التفكير أو التغيير.
ما هو التحدي الأكبر الذي واجهتهِ في مسيرتكِ الأدبية، وكيف أثّر ذلك على كتاباتكِ؟
_أكبر تحدٍ في مسيرتي الأدبية كان ربما مواجهتي للخوف من عدم القدرة على التعبير بشكل كافٍ عن أفكاري ومشاعري، هذا الخوف من الفشل أو عدم الوصول إلى مستوى الكتابة الذي أطمح إليه كان عائقًا كبيرًا في البداية، لكن مع مرور الوقت، تعلمت أن الكتابة هي عملية مستمرة، وأن كل نص أكتبه هو خطوة نحو الأفضل. هذا التحدي جعلني أكثر صبرًا مع نفسي وأدى إلى تطور أسلوبي الأدبي.
كما أنني أصبحت أكثر قناعة أن الكتابة لا تتطلب الكمال، بل الصدق في التعبير، ربما كان هذا التحدي هو ما أثر على كتاباتي بشكل إيجابي، حيث بدأت أكتب بحرية أكبر وبتفكير أعمق، مع مراعاة أن الكتابة ليست فقط عن نقل الأفكار، بل عن فتح أبواب جديدة في النفس والروح.
في عالم مليء بالتحولات السريعة، هل ترين أن الأدب يظل قادرًا على إحداث تأثير حقيقي على القراء؟
_في ظل التحولات السريعة التي يشهدها عالمنا، أعتقد أن الأدب يمكنه أن يظل أداة فعالة للتأثير في القراء إذا استطاع أن يتكيف مع هذه التغيرات بينما يحافظ على جوهره، رغم كل التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة التي تسيطر على وقتنا وتفكيرنا، يبقى الأدب قادرًا على الوصول إلى عمق الإنسان، لأنه يعكس تجاربنا الداخلية ويعبر عن أفكارنا ومشاعرنا التي تتجاوز الزمان والمكان.
ما يميز الأدب هو قدرته على خلق مساحة للتوقف والتأمل وسط عجلة الحياة السريعة، عندما يكون الكاتب قادرًا على تقديم قصص تتناول القضايا الأساسية التي تواجه البشرية، مثل البحث عن المعنى، الحرية، والعدالة، فإن ذلك يمكن أن يخلق صدى عميقًا في قلوب القراء. في النهاية، الأدب ليس مجرد ترفيه، بل هو وسيلة لربط الأفراد بالعالم والآخرين بطريقة تتجاوز اللحظات العابرة.
كيف ترين الفجوة بين الأجيال الأدبية؟ وهل تعتقدين أن هناك تغيرًا واضحًا في أسلوب الكتابة بين الأجيال الحالية والسابقة؟
_الفجوة بين الأجيال الأدبية، في رأيي، هي أمر طبيعي يعكس التطور المستمر في اللغة، الأسلوب، والموضوعات التي يتم تناولها. لكنني أعتقد أنه من المهم ألا نرى هذا التغيير على أنه انفصال تام بين الأجيال، بل كامتداد وتطور طبيعي للأدب. فكل جيل يتأثر بالظروف الاجتماعية، الثقافية، والتقنية التي يعيش فيها، مما ينعكس بشكل أو بآخر على أسلوب الكتابة.
بالنسبة للاختلاف بين الأجيال الحالية والسابقة، نعم، هناك تغير واضح في الأسلوب. الكتابة المعاصرة غالبًا ما تميل إلى التخفيف من الأشكال التقليدية والتركيز أكثر على الأسلوب البسيط والواقعي، في حين أن الأدب في الأجيال السابقة كان يميل إلى استخدام لغة معقدة وأسلوب سردي طويل. هذا التغيير يعكس سرعة الحياة وتغير أسلوب التواصل في العصر الحالي، حيث أصبحنا أكثر تأثراً بتقنيات وسائل الإعلام الحديثة التي تفضل السرعة والإيجاز.
لكن، رغم هذا التغير الواضح، أعتقد أن هناك نقطة تواصل بين الأجيال: كل جيل يضيف إلى ما قبله ويأخذ من تجاربه الخاصة. الكتابة ليست مجرد انتقال من جيل لآخر بل هي حوار مستمر يعكس تطور الفكر الإنساني.
هل تجدين أن النقد الأدبي يمكن أن يكون قاسيًا أو مبالغًا فيه في بعض الأحيان؟ وكيف تتعاملين معه ككاتبة؟
-_نعم، النقد الأدبي يمكن أن يكون قاسيًا أو مبالغًا فيه في بعض الأحيان، خاصة إذا تجاوز حدود تقييم العمل الأدبي نفسه وبدأ في مهاجمة الكاتب بشكل شخصي. هناك نقاد قد ينطلقون من أذواقهم الشخصية أو حتى تحيزاتهم، وهذا يجعل النقد أحيانًا يبدو غير عادل أو جارحًا.
بالنسبة لي ككاتبة، أرى أن التعامل مع النقد يتطلب تفهمًا ومرونة. أحاول دائمًا أن أميز بين النقد البناء الذي يهدف إلى تحسين عملي، والنقد الذي يفتقر إلى الموضوعية. النقد البناء هو فرصة للتعلم والنمو، حتى لو كان حادًا بعض الشيء، لأنه يساعدني على رؤية العمل من منظور جديد.
أما النقد غير العادل أو المبالغ فيه، فأحاول ألا أسمح له بالتأثير على شغفي أو ثقتي. أذكر نفسي أن الكتابة هي عملية شخصية وأن كل كاتب لديه صوته وأسلوبه الخاص. أعتبر أن التفاعل مع النقد جزء من الرحلة الأدبية، ولكن لا ينبغي له أن يحد من إبداعي أو إيماني بما أقدمه.
أين ترين نفسكِ ككاتبة بعد خمس أو عشر سنوات؟ وما هي المشاريع التي تأملين تحقيقها خلال تلك الفترة؟
_الكتابة بالنسبة لي مزيج بين التخطيط والمغامرة. أحياناً أجد نفسي أضع تصوراً واضحاً للقصة، بخطوطها العريضة وأحداثها الرئيسية، لأن التخطيط يمنحني هيكلاً يمكنني البناء عليه، ويساعدني على الحفاظ على تماسك العمل. ولكن، في أحيان أخرى، أترك القصة تقودني. أبدأ بفكرة أو مشهد، وأسمح للشخصيات والأحداث بالتطور بشكل عفوي أثناء الكتابة.
هذه المغامرة غير المدروسة تضفي على الكتابة شعوراً بالحياة والدهشة، لأنني أحياناً أكتشف مسارات وأبعاداً لم أكن أتوقعها عندما بدأت. أؤمن بأن الكتابة رحلة، وأحياناً يكون أجمل ما فيها هو السير في طريق لم يكن مخططاً له. بالنسبة لي، هذا التوازن بين التخطيط والانطلاق بحرية يجعل كل قصة تجربة فريدة ومثيرة
هل أنتِ من الكاتبات اللواتي يؤمنّ بتخطيط القصص مسبقًا، أم أن الكتابة بالنسبة لكِ هي نوع من المغامرة غير المدروسة؟
_بالطبع، أؤمن أن أفكار الكاتب تشبه النهر الجاري، تتجدد باستمرار وتنبع من تجارب الحياة، التأمل، وحتى الصمت. دائمًا هناك مشاريع أدبية تدور في ذهني، بعضها بدأ يأخذ شكلاً واضحًا، وبعضها لا يزال في مرحلة التكوين والبوح الداخلي.
– تظل أفكار الكاتب معينًا لا ينضب، وجعبته لا تخلو من بوحٍ جديد، فهل ثمّة مشاريع أدبية تلوح في الأفق، تبشّر القرّاء بالمزيد من إبداعك؟
أعمل حاليًا على مشروع جديد يحمل في طياته انعكاسًا أعمق على العلاقات الإنسانية، وكيف يمكن للمشاعر المخبأة أن تشكل مصائرنا. كما أن هناك أفكاراً لقصة قصيرة تسعى لاستكشاف قضايا معاصرة، وربما مجموعة من النصوص التي تدمج بين الشعر والسرد
ما أسعى إليه في أعمالي القادمة هو أن أخلق عالماً يمس القارئ بصدق، ويأخذه في رحلة شعورية وفكرية تجعل القراءة ليست مجرد متعة، بل تجربة ذات معنى. أطمح أن أقدم للقراء شيئًا يظل عالقًا في ذاكرتهم ويثير داخلهم تساؤلاتهم الخاصة.
–
ما النصيحة التي تقدمينها للكاتبات الشابات اللواتي يطمحن لإحداث تأثير حقيقي في مجال الأدب؟
_النصيحة التي أقدمها للكاتبات الشابات هي أن يكون لديهن شجاعة الإيمان بصوتهن الفريد. العالم الأدبي مليء بالأصوات، ولكن ما يجعل كتابتك مميزة هو أن تكتبي بصدق يعبر عن تجربتك الخاصة، دون محاولة تقليد أحد أو الانسياق وراء اتجاهات عابرة.
لا تخافي من التجربة، حتى لو بدا لكِ أن الطريق مليء بالتحديات. الكتابة هي عملية تعلم مستمرة، لذلك لا تتوقفي عن القراءة، الاستماع، والملاحظة. اجعلي حياتك اليومية مصدراً للإلهام، لأن الكتابة ليست فقط ما نخطه بالقلم، بل هي امتداد لكل ما نعيشه ونشعر به.
وأخيراً، تقبلي النقد، ولكن لا تدعيه يطفئ شغفك. ليس كل نقد يعني أنك على خطأ، وأحياناً تكون الكتابة التي تثير الجدل أو المشاعر القوية هي الأكثر تأثيراً. كوني صبورة مع نفسك، وثقي أن تأثيرك الحقيقي لن يأتي فقط من حجم أعمالك، بل من عمقها وصدقها.
المزيد من الأخبار
مجلة إيفرست الأدبية تستضيف المبدع عبد الستار محمد
كتاب “وعانق واقعي حلمي” لـ علياء فتحي معرض الكتاب لعام 2025 مجلة إيفرست الأدبية
كتاب “ليه بندرس علم النفس” لـ زينب مرزبان معرض الكتاب لعام 2025 مجلة إيفرست الأدبية