9 فبراير، 2025

واقع معاش

Img 20250122 Wa0010

كتب: وليد اسماعيل 

السلام عليكم ورحمة الله، عزيزي القارئ مرحبًا بك دومًا، اليوم سأحكي ونحنا على أرض الواقع، فكل منا في وطننا السودان قد وصلته ألسنة اللهب من تبعات هذه الحرب؛ ولكن سأتحدث بلسان مواطن واحد وهو قد يمثل الجميع حتمًا، نظرًا لما حدث للجميع.

 

أنا مواطن مستور الحال داخل منزلي، أقتات مما يأكل الناس وألبس مما يلبسه الناس دون تعالي، أو حتى ذلة، عزيز النفس مالك قراري دومًا.

 وبينما نحن نستعد لاستقبال أحد أفضل شعائر الإسلام، وبهجة عيد الفطر، ظهرت بيننا أخبار بأن هنالك فاجعة ما ستحدث ببلدنا السودان.

 

 

في بادئ الأمر تخيلنا أنه رغم هول ما سمعنا أنها ستمر في غضون أسبوع أو أقل؛ ولكن تطور الأمر وتمدد وها نحن الأن على مشارف إكمال عام على هذه المحنة.

جلست أنا استقبل العيد من دون فرحة، واستمرت للأيام وبدأ يزداد الوضع قبحًا، فأصبحنا يوميًا نسمع عن مقتل فلان، ونبش عرض علان، وكنا نستقبل الأمر بيقين إن هذا سينتهي في غصون شهر لا أكثر.

في تلك الأيام كانت منطقتي تنعم بالهدوء، حتى تسلل ذلك السرطان لداخل المنطقة ومن هنا ستبدأ الحكاية.

 

 

بدأ الذعر يدب في نفوس الجميع، كل منا يخاف على عرضه قبل ماله، فلقد كانت تلك الجماعة كالكلاب المسعورة لا تفرق في الاحترام بين كبير أو صغير، سواء كان رجلاً أو امرأة فالكل يتعرض للاستفزاز والإهانة.

بدأ الجميع في ترك منازلهم، وأصبح عدد السكان في منطقتي وما حولها يتنافص بشكل يومي، سواء بالهجرة إلى مكان أمن أو حتى الموت، نعم يا عزيزي الموت! فلقد كانت هنالك أسلحة تطلق علينا من كل مكان تارة قذيفة تهدم منزلًا بأكمله، وتارة ضربات من طائرة حربية تنهي حياة أسرة في لمح البصر، كما لا ننسي أن تلك الطلقات الطائشة اللعينة قد سكنت في جسد الكثير من الأبرياء؛ ولا زال الوضع كما هو حتى الأن.

 

 

 

جلست أنا وقليل من هم حولي داخل منازلهم، خوفًا من تعرض الممتلكات للسرقة، ومع مرور الأيام أصبحت وحيدًا داخل منزلي، فالكل أختار الفرار خوفًا على الأرواح وكان هذا ما يحلم به السرطان (الدعم السريع) حيث أصبحت البيوت الخالية من السكان مرتع لهم لإثارة الفوضى، ونهب كل ما هو موجود بها.

 

 

 تخيل معي يا صديقي كفاح سنين طوال يتم هدمه وسرقته في أقل من يوم، حقًا إنه ابتلاء من الله فلا نملك إلى القبول.

مع مرور الأيام أصبحت أتعرض لمضايقات من أجل الخروج من منزلي حتى تتم لهم سرقته، وتمت مداهمة المنزل أكثر من مرة، وكنت كل مرة أقاوم ذلك، حتى أنني تعرضت للضرب والدهس في قدمي بواسطة سيارة منهم ذلك بغرض جعلي أشعر بالذعر ولكن كنت متماسكًا واحتفظت بمكاني داخل منزلي دون خوف.

 

الغريب في الأمر أن أفراد السرطان كان يعرفوني ويتبادلون معي الحديث في بعض الأحيان، وأصبحت أعرفهم باسمائهم حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم!

 

وبينما أنا جالس في منزلي، إذا أسمع طرق في باب منزلي فندهت من الطارق؟ فكانت الإجابة باسم أحد من أفراد السرطان أعرفه جيدًا، ترددت قليلاً؛ ثم كان ليس حل من أنني أفتح لهم باب المنزل لعل الأمر خير، ولكن هيهات أن ياتي خير من وراء تلك الكلاب الضالة، فبمجرد أن فتحت الباب بدأت فورًا تنهال السياط على جسدي دون أي مقدمات، وتم تقيدي من دون أن أعرف ماذا يدور حولي، ثم تمت سرقة المنزل بالكامل، ذلك المنزل الذي كافحت وتعرضت للعذاب من أجل المحافظة عليه، ولكن كانت كثرتهم أقوى من شجاعتي، فلقد تكالبوا علي كما تفعل قطيع الضباع في مواجهة أسد واحد.

 

 

 خرجت من المنزل بعد أن أصبح خاوي لا شيء يستحق من أجله العناء، فكل شيء قد سرق، قررت السفر؛ بل أصبح الأمر ذو جانب نفسي أكتر، نظرًا لعدم قدرتي على تحمل رؤية منزلي يستباح دون حراك مني، وأنا ليس لي القدرة على مقاومة السلاح بالأيدي فقط.

أخترت وجهتي وكانت جمهورية مصر العربية، نظرًا لقربها للسودان وكان لا بد التحرك إليها عبر الطريق البري، حيث أن المجال الجوي في بلادي أخذ إجازة قد يطول الرجوع منها سنين وسنين، فكان البر هو الخيار الوحيد، وقد كانت رحلة عنوانها الجبال والصحراء، ولا ننسي ذلك العنصر الذي كان بمثابة امتحان عسير للكل، وهل أحدًا ينسى ذلك البرد القارس الذي كان يلامس عظامنا؟! مخترقًا الجلد واللحم كما أنها ليست موجودة! نعم يا عزيزي كان بردًا في صحراء يكسوها الظلام ليلًا فلا شيء يُراى غير أنوار السيارت من حولنا، أو بعض الحيوانات من حولنا، حقًا رغم الوضع كان الأمر أشبه وكأنك داخل فلم وثائقي كالتي تعرض على قناة (ناشونال جيوغرافيك) حقًا أنا أقول الحقيقة ولا اهول الأمر، مع مرور الساعات وصلت إلى منطقة الأمان داخل الحدود المصرية، وأصبحت بين ليلة وضحاها من سيد في بلدي أنعم بالأمان داخل منزلي إلى لاجئ في بلاد غريبة، أنطلق إلى طريق مجهول، ولكن يقيني إن يومًا ما سيعود بلدي أفضل لكي أرجع وسأعيد وأعيد وطنًا عزيزًا سيدًا.

عن المؤلف