لـِ سها طارق
ليس من الواجب علينا إجبار الناس على حُبنا، ولا تسمح لأحد أن يأخذ الأولوية في حياتك عندما تكون خيارًا ثانويًا في حياته.
ذات يوم، في قرية هادئة تقع بين جبلين عظيمين، عاشت دكتورة تدعى لورا. كانت معروفة بمهاراتها الرائعة التي أدعى السكان المحليون أنها تتمتع بنوعية سحرية، وكان المكون السري لمهنة لورا هو نوع خاص من الأسلوب النفسي الذي يُقال إنه موهبة منذ الصغر.
ذات يوم، وصل مسافر غامض إلى القرية. كان مسافر متوسط القامة، يتجول في الشوارع بصمت، وملابسه تحمل آثار رحلات طويلة. دخل إلى عيادات طبية وطلب دكتورة لورا. وبينما كان داخلًا إلى مكان الكشف، اتسعت عيناه من المفاجأة. “هذه الطبيبة… ملامحها مثل الأحلام المنسية والآمال الضائعة”، همس.
أثار فضول لورا، فدعت له ليشاركها قصته. فأخبرها أنه ملعون بمرض التجول في دفاتر الماضي، ولا طبيب حتى الآن استطاع أن يكسر هذه اللعنة. كانت عيناه تعكسان حزناً عميقاً وألمًا مريرًا، وكأن قلبه مثقل بأعباء الزمان.
قررت لورا معالجته. قضت وقتًا لا حصر له في جمع الخيوط ببعضها، تدرس كل تفاصيل حياته، تحاول فهم الجروح التي لم تلتئم. أخيرًا، قالت له: “لا تبحث عن سعادتك بين أوراق مزقها الآخرون ورحلوا، لأنك ستجد نفسك وحيدًا وحزينًا. تعلم أن تعطي لنفسك الأهمية التي تستحقها”.
ثم أضافت: “كمان في مقولة بتقول ‘لا تحرق نفسك لأي أحد، فالشمس أحرقت نفسها لكن الجميع ينظر للقمر'”. كانت كلماتها تشبه بلسمًا لروحه المعذبة.
“أعرف أن الأمس هو ورقة تم سحبها، والغد هو ورقة مؤجلة، أما الحاضر فهو الورقة الوحيدة المتوفرة؛ لذلك لا تصرف مشاعرك من أجل الآخرين إلا بحكمة”، قالت لورا بابتسامة مشجعة.
فجأة أحاط بهذا الشخص ضوء ساطع، وبريق أمل يتلألأ أمامه. انكسرت لعنة البحث في دفاتر أحرق فيها نفسه من أجل الآخرين، وكان الجميع لا ينظر إليه. بدأ يشعر بثقل الحياة يخف عن كاهله، وبدأت رحلة لبناء جدران يستشعر فيها قيمة نفسه، جدران تبنيه وتحميه.
هكذا هي الحياة، مؤلمة جدًا، تحرق الشمس نفسها من أجلنا لكن دائمًا القمر يأخذ مكانها. لذا؛ اجعل للعطاء حدودًا، ولا تنتظر بعده مردودًا.
كن أنت في قلب الدنيا ولا تجعل الدنيا في قلبك، واطمح أن تكون أفضل نسخة منك أنت. لا تفني نفسك من أجل الآخرين لكي لا تصبح رمادًا.
لورا، التي كانت تعرف جيدًا قيمة نفسها وحدود عطائها، علّمت الرجل درسًا لا يُنسى. من تلك اللحظة، تعلم الرجل أن يعطي بلا حدود لكن بحكمة، وأدرك أن الحياة تستحق العيش بكل لحظاتها الجميلة، بعيدًا عن الألم والتضحيات غير المجدية.
المزيد من الأخبار
إلى فيروز نهاد حداد
الوقت لا يشفي الجراح
الاختلاف والتغيرات