ملاك عاطف
“أن يعانقني أحدهم، وأبكي هكذا، بكل بساطة، دون ثقل أو خجل”، هذه أمنيتي الوحيدة الّتي ستظلّ معلّقة بين الاستحالة والخيال، بين الرّغبة الخفيّة والكتمان، بين بين تراكمات الخبايا، خلف ستائر حصائد اللّسان. إنّها الأمنية الوحيدة الّتي أجوعها، وأشتهيها، وأسرّ حاجتي لها إلى اللّيل كلّما حلّ السّكون، وأحاول جاهدةً صياغتها على هيئة دعوةٍ، أو سؤالٍ يليق بأن يحمل على بساط أجنحة الملائكة ويعانق جلالة السّماء. هذه الأممنية روائي رغم غرابتها، وشفائي رغم وجعها، وندائي رغم بحّة همسي، ورغم انكماشها وراء حجاب الخجل المعقول بحلقات قوّتي المتكسّرة. لماذا؟ لماذا يحلّ الفرح ضيفًا خفيفًا، بينما يصرّ التّرح على تكرار تجديد الإقامة؟ ألا يخاف أن تتمزّق تحته ملاءات قلوبنا؟
يقال إنّ البكاء رحمة، تغسل قطراته ذبول قلوبنا كما يغسل المطر جفاف الأرض، وتربو الأرض، وتورق من جديدٍ بعد كلّ هطول، كأنّ ثقل الصّحارى لم يجثم على صدرها قطّ. أمّا قلبي، فلا يزداد إلّا إعياءً وأنينا! أليستت الغيوم تعانق الأرض وتقبّلها قبل الرّحيل؟ أليست تهدهد على ظهرها بزخّاتٍ رقيقةٍ كمما تهدهد الأمّ لصغيرها حتّى ينام؟ لماذا تيبّست فقراتت ظهري من غياب التّربيت؟ ولماذا أتكوّر كلّ ليلةٍ على حسرتي النّزقة ووحدتي الحيرى؟ أم أنّ الأرض تعرف لغة التّماسك وتجيدها أكثر منّي؟ ثمّ إلى متى ستظلّ هي طليقةَ البؤس، بينما أنا حبيسة وساوس النّفس؟
يا ليتني أحظى بقالب غيمة؛ فأصبّ به آهاتي وضيقي، ثمّ أغلقه بصمّام الحمد، وأتركه يحلّق ويسبح رفقة بقيّة الغيوم إلى أن ينسى أصله، ويتقمّص حياة غيمةٍ، فيمطر في مساءٍ شتويٍّ باردٍ كلّ ما كان يهمّني، ويتلاشى صباحًا خلف الشّمس، أو ينصهر بشعاعها؛ فأهدأَ أنا، وتطيب أيّامي، ولا أبلّل بدمعي ثوب عطفٍ لأحد!
المزيد من الأخبار
إلى فيروز نهاد حداد
الوقت لا يشفي الجراح
الاختلاف والتغيرات