10 فبراير، 2025

كُلُّ الطُّرُقِ تُؤدِّي إلى المَوتِ

Img 20250107 Wa0012

 

سارة أسامة النجار

لا أحدَ يموتُ مِنَ الانتظارِ، ولا أحدَ يموتُ مِنَ الجوعِ، ولا أحدَ يموتُ مِنَ البردِ. كانتْ هذهِ الجُملُ مُعتقداتٍ رسَّخها القُدماءُ في عُقولِنا، إلّا أنَّ الحقيقةَ تقولُ: إنَّ قائلَ هذهِ الخُرافاتِ هوَ شخصٌ لم يعرفْ في حياتهِ شيئًا، فلم يشعُرْ بالجوعِ يومًا، ولا صفعَ البردُ كيانَهُ، وكلُّ ما يتمناهُ يصلُ إليهِ دونَ انتظارٍ.

وهنا سوفَ أسكتُ قليلًا، بل كثيرًا، ففي غَزَّةَ ماتَ العشراتُ مِنَ الانتظارِ، والبَردِ، والجُوعِ، حيثُ شهدَتْ طوابيرُ الخُبزِ قِصَصًا تُشيبُ شَعْرَ الرَّأسِ؛ فيتزاحمُ المئاتُ للحُصولِ على رغيفِ خُبزٍ يَسُدُّ رَمَقَ الشَّعبِ الجائعِ. ومع التَّدافعِ الكبيرِ، سُجِّلَتْ أكثرُ مِن حالةِ وفاةٍ بسببِ الاختناقِ، والازدحامِ، وطولِ ساعاتِ الانتظارِ.

ولأنَّ المجاعةَ تتسكَّعُ في شوارعِ قطاعِ غَزَّةَ، توفِّي العشراتُ جرَّاءَ سوءِ التَّغذيةِ والجُوعِ الذي التهمَ البُطونَ، فتوقَّفَتْ قلوبُهم عنِ الضَّخِّ؛ إذْ لم تَجدْ حافلاتُ الدَّمِ ما تحمِلُهُ في أوعيتِها، فأضربَتْ عن السَّيرِ، فانهارَ العقلُ والقلبُ مُعلنَيْنِ ترحيلَ الأرواحِ إلى تحتَ الثَّرى.

ومع قدومِ الشِّتاءِ الذي وزَّعَ علينا قسوةَ ريحِهِ وتدنِّي درجاتِ حرارتِهِ، كانَ سببًا ليجمِّدَ قلوبَ الصِّغارِ والكِبارِ، سارقًا إيَّاهُم مِن ذويهم، دونَ أنْ يُبالي بأعمارِ مُعظمِهم، الذينَ لم يتجاوزْ أكبرُهم أربعينَ يومًا.

والآن، أصابعي المُنتفخةُ معَ الصَّقيعِ القارِصِ تستنجدُ بدِفءِ الكلماتِ؛ كي أكمِلَ هذا النَّصَّ أمامَ صُراخِ مَعِدَتي الفارغةِ أثناءَ وقوفي على ناصيةِ الطَّريقِ، أنتظرُ دوري لشراءِ طعامٍ يُبعِدُ عنِّي مَخالبَ المَوتِ.

فإنَّ الانتظارَ، والجُوعَ، والبَردَ، والحُزنَ، والفَقرَ، كُلَّها أسبابٌ بيدِ عزرائيلَ ليقبِضَ أرواحَنا المُثقَلة. فمَن نجا مِن تذكرةِ رَحيلِ الدنيا بفعلِ الغاراتِ، سيحصُلُ عليها مِن شبابيكَ أخرى. فلا تَجزَعْ، بل نَقِّ ضميرَك قبلَ أنْ ترحلَ، لتكونَ ذِكرى لا تُنسى، وطَيفَ خيرٍ يَعيشُ في الذَّاكرةِ إلى الأبدِ.

عن المؤلف