كامبيرا

Img 20241230 Wa0023

كتبت منال ربيعي 

كانت “ليلى” دائمًا تشعر أنها مختلفة، لكن لم يكن أحد يصدقها. الطفلة التي كانت تجلس وحدها، تحادث نفسها وكأنها تسمع أصواتًا لا يفهمها الآخرون. اعتاد أهلها وصفها بأنها “حالمة زيادة عن اللزوم”، لكن ليلى لم تكن تحلم فقط، كانت تعيش صراعًا يوميًا بين جانبين متناقضين داخلها.

 

كبرت ليلى وهي تحاول التعايش مع تناقضاتها. كانت أحيانًا تملأها الحيوية والطاقة لتقود فريقها في العمل، وفي لحظات أخرى تجدها منغلقة على نفسها، خائفة من اتخاذ أي خطوة. الناس من حولها اعتبروها معقدة، يصعب فهمها، لكنها كانت تعرف أن الأمر أعمق.

 

ذات يوم، وبعد نزلة صحية غريبة، قررت زيارة طبيب. هناك، اقترح عليها إجراء فحوصات وراثية لدراسة حالتها غير المعتادة. حين عادت النتائج، كان الطبيب مرتبكًا، لكنه قال بصوت متردد: “ليلى، أنتِ حالة نادرة… تُدعى كامبيرا. لديك خليط من حمض نووي يعود لشخصين، وهذا يعني أنك كنتِ يومًا ما أختين توأمين اندمجتا لتصبحا شخصًا واحدًا.”

 

لم تستوعب الكلمات في البداية. شعرت أن شيئًا داخلها انفجر، كأن كل صراع عاشته كان يجد تفسيره فجأة. فهمت الآن لماذا شعرت دائمًا أنها ليست شخصًا واحدًا. لماذا كانت تكره نفسها أحيانًا، وتحبها بجنون أحيانًا أخرى.

 

لكن القبول لم يكن سهلاً. بدأت تراودها كوابيس؛ وجهان يحدقان بها في الظلام، أحدهما مبتسم والآخر غاضب. استمرت الصراعات الداخلية تتصاعد، كأن أختيها لم تعودا راضيتين بالبقاء مختبئتين داخلها.

 

قررت ليلى مواجهة مخاوفها. وقفت أمام مرآة غرفتها ليلاً، ونظرت بعينيها. شعرت فجأة وكأنهما ليستا لها، واحدة هادئة كالبحر، والأخرى مشتعلة كاللهب. همست: “من أنتما؟” لكن الصدى الوحيد كان صوتها.

 

بدأت ليلى كتابة يومياتها، تروي فيها كل مشاعرها المتناقضة. ومع الوقت، أدركت أن الصراع ليس ضعفًا، بل مصدر قوتها. كانت تحمل في داخلها أختين، كل منهما تكمل الأخرى، وحين تقبّلت ذلك، شعرت أخيرًا أنها لم تعد وحدها.

 

اليوم، أصبحت ليلى تروي قصتها للناس، ليست كمعاناة، بل كحكاية عن قبول الذات، بكل تناقضاتها. فهي ليست شخصًا واحدًا، بل عالمًا كاملاً.

عن المؤلف