20 سبتمبر، 2024

«كيف نُصَّلي ولا ننتهي عن الفحشاءِ والمُنكَر؟!»


كتبت: آية تامر
بعد رحلة طويلة، تَعِبَ قلمي مِن كثرة السفر ومع ذلك قد حانت اللحظة لِأترُك لفِكري العنان ليسبح في أُفُقِ الخيال ويستبيحُ قلمي التعبير بواقعية.
وبعد:
أَتَعلمُ أننا في هذا الشهر المُبارَك وبدأت نفحاتُه تقِّل بالتدريج ونحنُ لا نشعُر؟
لِتعلم أيضًا أنَّ لكَ نصف شيطاني برئ مما تقوم بهِ في هذا الشهر، السؤال هُنا كيف نصوم أو يكون المرء صائمًا وفي وَضحِ النهار ويرتكب المعصية؟!
قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) العنكبوت/45
فَكيف نُصلي ولا ننتهي عن الفحشاءِ والمُنكر؟!
دعوني أُعرِّف معنى الفحشاء أولًا: تعني الشيء الزائد عن الحد؛ لأننا مُنذُ البداية بشر ومثلما يكُمن في فِطرتنا السليمة الخير، أيضًا طبيعي ارتكاب الذنوب والأخطاء فلا تستغرب..
ولكن حينما تصل إلى درجة التبجُّح وعدم الحياء التي تتخطىٰ آدميتَك بِمراحل لا بُدَّ مِن رادع لك، أمَّا عن المُنكَر: فهي كلمة مُشتقة مِن الاستنكار أي النفي وعدم تقبُّل فِعلك بأي شكل؛ لأنه لا يتطابق مع آدميتك/ إنسانيتك أولًا ولا مع تعاليم دينك الذي تنتمي لهُ وتُقدِّسُ شعائرهُ صورةً أكثر مِن فِعلًا، بما في ذلك يدور المعنى حول الزِنا والذي هو من الكبائر وشُرب الخمر أيضًا أي إتيان الفاحشة علنًا واستباحةً المُنكر عمدًا أو جهلًا.
ونعود للنُقطة الأساسية، أَلم يخطُر ببالك كيف يذكُر اللّٰه قاعدة في القُرآن الكريم ونحنُ ننفيها في الواقع!
والحقيقة عزيزي القارئ أنَّك تجهل بالكثير مِنْ أمور دينك وأهمَّها الضمير، أچل ضميرُك الذي ما زال مُغيِّب وعلى هذه الحال مُنذُ مُدَّة..
أنتَ لا تُعطي الأمور حقها فلا تسعىٰ إلى الخشوع في الصلاة، ولا تُطبِّق ما تقول في الواقع؛ لذلك يصعُب أنْ تنهانا ونحنُ لا نفعل ما نقول..
فَفي الصلاة من الأقوال تكبير لله وتحميده وتسبيحه والتوجه إليه بالدعاء والاستغفار ، وقراءة فاتحة الكتاب المُشتملة على التحميد والثناء على اللّٰه والاعتراف بالعبودية له وطلب الإعانة والهداية منه واجتناب ما يغضبه وما هو ضلال، وكُّلها تذكر بِالتعرُّض إلى مرضاة الله، والإقلاع عن عصيانه وما يفضي إلى غضبه، فذلك صد عن الفحشاء والمُنكر .
وفي الصلاة أعمال قلبية من نية واستعداد للوقوف بين يدي الله، وذلك يذكر بأن المعبود جدير بأن تمتثل أوامره، وتجتنب نواهيه.
فكانت الصلاة بمجموعها كالواعظ الناهي عن الفحشاء والمُنكر ، فإن الله قال ( تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) ولم يقُل تصدَّ وتحول ونحو ذلك مما يقتضي صرف المُصلي عن الفحشاء والمنكر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” نَفْسُ فِعْلِ الطَّاعَاتِ يَتَضَمَّنُ تَرْكَ الْمَعَاصِي ، وَنَفْسُ تَرْكِ الْمَعَاصِي يَتَضَمَّنُ فِعْلَ الطَّاعَاتِ وَلِهَذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ، فَالصَّلَاةُ تَضَمَّنَتْ شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا نَهْيُهَا عَنْ الذُّنُوبِ . والثَّانِي تَضَمُّنُهَا ذِكْرِ اللَّهِ”.
والتفاوُت في الطاعة كما التفاوت في المعصية!
ثُمَّ الناس في الانتهاء متفاوتون، وهذا المعنى من النهي عن الفحشاء والمُنكر هو من حكمة جعل الصلوات مُوزعة على أوقات من النهار والليل؛ ليتجدد التذكير وتتعاقب المواعظ . وبمقدار تكرر ذلك تزداد خواطر التقوى في النفوس، وتتباعد النفس من العصيان حتى تصير التقوى ملَكة لها .
“احذر عدوك اللدود بل أشَّد أعدائك وأقربهم منك”
وهذا دليل أكبر على أنَّ كيدَ الشيطانِ كانَ ضعيفًا، وقد ثَبُتَ وتحقق ذلك بالتجربة في هذا الشهر الذي كُبِّلت فيه أكابر الشياطين فما بقي للإنسان سِواه!
تأكد حينها أنَّ نفسَهُ أكبر عدو لهُ ويستطيع أنْ يهزمه؛ فهي تعرف نقاط ضعفه وميلهِ نحو شهوات الدُنيا، وانبهارهِ بالفِتَن صغائرها وكبائرها، فكيف ترتكب الذنوب قبل الصلاة وتُصلي “مع العِلم أنَّ ذنوبك تتساقط بالسجود، وتغسلُك الصلاة كُّل مرة” هذا في حال صِدقك النية في التوبة والرجوع فَتترُك الدُنيا وما فيها، وبعد الانتهاء مِنْ الصلاة تستكمل فعل الذنوب بل تُخطط لها مُسبَقًا!
أنت مَنْ تضع نفسك في دائرة طاعة مؤقتة وتعود مرة أُخرىٰ لِنُقطة البداية بِرغبتك.
يبدو أنَّ مثلَك لا يأتي بالترغيب وتطغي قساوة قلبه وبطش عقلهِ على الترهيب فيُكابر ويُكابر إلى أنْ يسقُط في أقسىٰ ويلاته..
وفي النهاية نحنُ مَنْ نجعل صلاتنا قاصرة وننعمُ ببقايا لذات التوبة والقُرب المؤقتة، ننبهر بالنعيم الزائف الزائل ونترُك الخُلد في الآخرة، وفي النهاية انظُر هل صلاتُك بالفِعل تنهاكَ عن الفحشاء والمُنكر أم لا؟ ولماذا؟

عن المؤلف