مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

الاحتواء.. لغة لا تُترجم بقلم هانى الميهى 

الاحتواء.. لغة لا تُترجم بقلم هانى الميهى

 

ليس الاحتواء أن تمد يدك لتُصلح كل ما انكسر، ولا أن تُجيب عن كل سؤال يتوه في صدور الآخرين. الاحتواء أعمق من ذلك بكثير؛ هو أن تكون بجانب من تحب دون ضجيج، أن تمنحه يقينًا بأن وجودك معه أثمن من كل الحلول التي قد لا يجدها في الحياة.

قد يحتويك من هو أضعف منك جسدًا، لكنه يمتلك قلبًا يتسع لعالمك بما فيه من فوضى وتناقضات. هناك قلوب تملك القدرة العجيبة على أن تُسكن الآخر مهما كان قلقه، وتُخفف ثِقله مهما كان وجعه. هذه القلوب لا تُسأل كيف ولا تُحاسب لماذا، إنما هي هبة من الله، تضيء العتمة بحضورها فقط.

الاحتواء ليس أن تقول: “أنا معك”، بل أن يشعر من أمامك أنك معه فعلًا، أن يلمس ذلك في نبرة صوتك، في صمتك حين يحتاج إلى صمت، في يدك التي لا تفلت يده حتى وإن كان غارقًا في ضعفه.

إنه أن ترى جوهره قبل زلاته، أن تلمح قلبه قبل هفواته، أن تُدرك أن الإنسان ليس معصومًا لكنه يستحق أن يُحتضن رغم كل شيء. الاحتواء ليس إنقاذًا، بل مشاركة؛ ليس إصلاحًا، بل مساحة آمنة يتنفس فيها الآخر دون خوفٍ من حُكم أو إدانة.

الحياة قاسية بما يكفي، والطرق مليئة بما ينهك الروح. لكن حين يجد المرء قلبًا يحتويه، فهو يجد وطنًا صغيرًا يقيه برد الوحدة، وسماءً قريبة تمطر عليه سكينة لم يعرفها من قبل.

فلتكن أنت ذاك الوطن، وذاك القلب. وكن ملجأً لا يُطالب أحدًا بتفسير دموعه، ولا يضع على كتفيه ثقلًا جديدًا فوق ما يحمله. ففي عالمٍ يحاسبنا عند كل خطأ، لا يحتاج الآخر إلى مُعلّم بقدر ما يحتاج إلى مُحتوٍ.

الاحتواء… أن تكون الحياة في قلبك أوسع من كل الضيق، وأن تُشعر الآخر أنه ليس وحيدًا في معركته، حتى لو لم تملك سلاحًا سوى دفء وجودك.