الابن العاق بقلم إسلام محمد
يُعَدّ برّ الوالدين من أعظم القيم التي أكّد عليها الدين والأخلاق والإنسانية، فهو أساس التماسك الأسري وسبب من أسباب رضا الله عز وجل ودوام النعم. وقد جعل الله طاعة الوالدين بعد طاعته مباشرة، تكريماً لمكانتهما ودورهما العظيم في حياة أبنائهما. غير أنّ بعض الأبناء – مع الأسف – يقابلون هذا الفضل بالنكران، ويعاملون والديهم معاملة قاسية مليئة بالجحود، وهؤلاء يُطلق عليهم وصف “الابن العاق”.
الابن العاق هو الذي يخرج عن دائرة البر والإحسان، فيرفع صوته على والديه، أو يهملهما، أو يتنكر لفضلهما، أو يعاملهما بغلظة وجفاء. وقد يصل الأمر بالبعض إلى حد الإهانة والقطيعة، متناسين أنّ الوالدين هما السبب في وجوده في هذه الحياة، وأنهما حملا أعباء التربية والرعاية والسهر والتضحية من أجله.
وقد جاء الأمر الإلهي واضحاً في كتابه الكريم: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، ليبيّن أنّ برّ الوالدين عبادة عظيمة لا تنفصل عن عبادة الله. بل حتى لو كان الوالدان على خطأ أو على غير هدى، فإن الواجب على الابن أن يحسن صحبتهما، دون أن يطيعهما في معصية الخالق، كما قال تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15]. أي أن العقوق محرّم مهما كانت أخطاء الوالدين، ويبقى البرّ حقاً واجباً لهما.
وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على خطورة العقوق فقال: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟” قالوا: بلى يا رسول الله. قال: “الإشراك بالله، وعقوق الوالدين” [رواه البخاري ومسلم]. وهذا يوضح أنّ العقوق قرين الشرك في عظم الذنب.
إن العقوق لا يُعد ذنباً عادياً، بل هو من الكبائر التي توعّد الله فاعلها بالعقاب في الدنيا والآخرة. ففي الدنيا يُحرم الابن العاق من بركة العمر ورزق السعادة، ويعيش غالباً في ضيق وهمّ، لأن من لا يَرحم والديه لا يُنتظر أن يرحمه أحد. وفي الآخرة يُجازى بعقاب شديد، لأن العقوق ظلم عظيم وإثم مبين.
لذلك، على الأبناء أن يدركوا أنّ عقوق الوالدين ليس فقط مخالفة دينية، بل هو أيضاً خيانة للضمير الإنساني، وجحود لتضحيات لا تُقدّر بثمن. ومن الحكمة أن يتذكر كل ابن أنّه سيقف يوماً في موقع والديه، وسيحتاج إلى البر من أبنائه. فكما تُدين تُدان، ومن يزرع العقوق يحصد العقوق، ومن يزرع البر يجني الوفاء.
وفي الختام، يبقى الابن العاق مثالاً مؤلماً للجحود والنكران، في حين يبقى الابن البار تاجاً على رأس والديه، وسبباً في سعادتهم في الدنيا ونجاتهم في الآخرة. فاختر لنفسك أي الطريقين تسلك، واعلم أنّ رضا الله مقرون برضا والديك، حتى وإن قصّرا أو أخطآ، فحقّهما عليك لا يسقط أبداً
المزيد
اصمدي يا نفسي واستمري – الكاتبة سها مراد
حين يصمت الزحام – الكاتب هاني الميهى
زحام الأرواح – الكاتبة زهراء حافظ رحيمه