موت على قيد الحياة

Img 20250514 Wa0009

 

بقلم: حياه احمد

 

في أحد أزقة غزة، كانت “وعد” تلتقط بقايا ذاكرة تناثرت تحت الركام. لم يكن عمرها يتجاوز العشر سنوات، لكن ملامحها كانت تحكي ألف عام من الحزن.

 

استيقظت ذات فجرٍ على صوت القصف… حاولت أن تصرخ، أن تجري، أن تحتمي… لكن الصمت كان أسرع من صوتها. انهار البيت. وانهارت معه الحياة.

 

بحثت عن أمها… عن أبيها… عن إخوتها الذين كانوا ينامون بجوارها الليلة الماضية. لم تجد سوى الرماد… ودمية محروقة على أطراف فراشها.

 

“وعد” لم تبكِ… كانت قد فهمت مبكرًا أن البكاء لن يُعيد أحدًا. جلست أمام ما كان يُسمى منزلًا، وبدأت تغني بصوت خافت ما كانت أمها تدندن به كل ليلة:

“نم يا صغيري نام… واهرب من الأحلام…”

 

منذ ذلك اليوم، صارت “وعد” تحارب من أجل البقاء. تنام في العراء، تبحث عن طعام بين الأنقاض، وتتوسد ذكرى حضن أمها كلما اشتدّ عليها البرد.

 

كانت ضحية حرب لا تعرف سببها، وجريمة ارتُكبت في وضح النهار، بينما كان العالم كله واقفًا يتفرّج… يُشارك صورتها، يعلّق على دموعها، يُحلل مأساتها من خلف شاشات هواتفهم.

 

وظلت “وعد” تمشي على حافة الحياة… لا ميتة فتستريح، ولا حيّة فتعيش. جسدها الصغير يضعف يومًا بعد يوم، لكنها كانت ترفض أن تستسلم.

لكن في ليلةٍ باردة، كانت الرياح تعصف وكأنها تُنذر بشيء قادم، ارتجف جسدها النحيل، وأغمضت عينيها…

 

فشعرت بدفء غريب.

فتحت عينيها لتراها…

كانت “أمها” تقف أمامها، بثوب أبيض ووجه يشع نورًا وحنانًا، مدت يدها وقالت:

– “تعالي يا صغيرتي… تأخرت عليكِ.”

 

ابتسمت “وعد” للمرة الأولى منذ الحرب… ومدّت يدها الصغيرة.

 

وفي الصباح، وجدها أهل الحي نائمة بهدوء… وملامحها مطمئنة، كأنها ذهبت إلى المكان الذي تستحقه: حضن أمها.

 

كانت “وعد” قد ماتت… لكن الحقيقة أنها ماتت منذ زمن، وظلت فقط على قيد الحياة.

عن المؤلف