كتبت سارة أسامة النَجَار
في غَيابةِ جُبِّ هَواجسي، ارتطمتْ عَيناي بِقِطعةِ رُخامٍ مَكسورةٍ، فالتقطتُها مِن رُكامِ مَنزلِنا المَقصوفِ. شَعرتُ أنَّها تُصِرُّ على البقاءِ، وهي شاهدةٌ على الآلامِ والأمالِ المُتجذِّرةِ في ذاكرةِ الوَطنِ. لِذا، حَوَّلتُها لِزَاجلٍ يَحمِلُ رَسائلَ خَفيَّةً بَينَ قُلوبٍ لا تَعرِفُ الحُدودَ. حطَّتْ عليهِ أسماؤُنا كَحَمامةِ سلامٍ تَأخذُ قِسطًا مِن الأمانِ بَعدَ جَولاتِ حَربٍ قَاسيةٍ.
والسَّبيلُ كانَ بِغَرسِ فَسيلةِ زَيتونٍ، تَمدُّ جُذورَ انتمائي لِبِلادي، وتكونُ خَيطًا مِن نُورٍ يَعبُرُ وَاديَ غَزَّةَ وصولًا لِجِبالِ الخَليلِ الشَّامخةِ، مُتجاوزًا وَهْنَ الأسلاكِ الشَّائكةِ.
زَرعتُكِ يا زَيتونتي، بَينَ صَمتِ التَّاريخِ وصَخَبِ الحاضِرِ، لِتَكوني بَصمةَ الأرضِ وهُويَّةَ أَهلِها. فَعانقي التُّرابَ الَّذي يُغلِّفُ الوَطنَ بالكُوفِيَّةِ، وارتَوي مِن دَمعاتِ الأُمَّهاتِ الثَّكالى، وتَحَنَّي بِشالِ شَمسِ الثَّباتِ. قِفي في وَجهِ الطُّغاةِ، وأَملِئي ثَمراتِكِ بِأحلامٍ ناضِجةٍ، ولتَنمُ أوراقُكِ كَرَسائلَ حَياةٍ مُتجدِّدةٍ.
يا شَجرةَ الحُبِّ، ها أَنا أَودِعُ تَحتَ ظِلالِكِ أَيقونةَ صَداقةٍ ليسَ لَها مَثيلٌ: “مَلاك”، هي تَوأمُ رُوحي رَغمَ فُروقِ الزَّمانِ والمَكانِ. لَم تُصافِحْها يَدي، ولَكِنَّها سَكنتْ فُؤادي، كَما تَسكُنُ الطُّيورُ أَعشاشَها الآمِنةَ. فَهي مَلاكي الطَّاهِرُ، تُحلِّقُ في فَضاءِ الإبداعِ، وتَرسمُ على امتدادِ الوَطنِ خَريطةَ مَحبَّةٍ لا تَنضُبُ.
لتَنمُ زَيتونتي مَعَ الوُدِّ، ولتَكُن صَداقتُنا مُعمِّرةً مِثلَ أَغصانِها، ولَو زارَها الخَريفُ، لِيحمِلَ الرِّيحُ رَسائلَنا العابِرةَ للمَسافاتِ. وسَيَبقى انتمائي ثابِتًا في قَلبي: فِلسطينَ ومَلاك. وسَأَحصُدُ مِنهُما القُوَّةَ والنَّقاءَ.
وَماذا عَنكَ؟ هل عَثرتَ على قِبلةِ قَلبِكَ بِرَفيقٍ تَغرِسُ جُذورَكَ بَينَ ثَنايا رُوحِهِ؟!
المزيد من الأخبار
كل مستحيل مع الله يتحقق
ستارٌ خلف ابتسامة
سعيٌ نحو الخفّة والسلام الداخلي