أشهد_أن_أقول

Img 20241225 Wa0037

كتب وليد اسماعيل علي

صديقي هل أحضرت القهوة؟ 

هذا جميل، الآن أسترخي ودعني أقص عليك ما حدث.

أسمي جاسم، وأنا من سكان مدينة الإسكندرية لؤلؤة البحر الأبيض المتوسط، أبلغ من العمر الأربعون ربيعًا، عاطل عن العمل ذلك بسبب فشلي في إكمال دراستي حيث أنني لم تكن لي الرغبة في الدراسة، فمنذ صغري أمتهن تلك المهنة التي هي محور حديثي عنها.

كنت دومًا أتردد على المحاكم، اصطاد ضعيفي النفوس مثلي لكي أشهد لصالحهم شهادة الزور، وأخذ منهم بعض المال، فكم من قاتل مجرم بسبب شهادتي فلت من حبل المشنقة، وقضايا كنت أنا السبب في تحويل مجراها إلى الباطل بدلًا عن الحق، فلقد كنت لا أتولى دومًا عن شهادة الزور، ولا يهمني من يكسب أو من يخسر، من يدفع أكثر أقف بجانبه، ولو كان هو على باطل، فقط أدفع وستجدني أمام القاضي أدلي بشهادة لصالحك، ولو كنت أنت الشيطان بأم عينه.

 

ففي يوم كان هنالك قضية شائكة جدًا، أرملة لديها طفلان صغيران، وكان لهم ميراث يتكون من عقارات، وشركة صغيرة، ومال في البنوك، فلقد كان زوجها رحمة الله من رجال الأعمال، قبل أن يحكم عليه الأجل بالموت أثر نوبة قلبيه لم تمهله قليلًا.

كان لذلك المتوفي أخ جشع طمع في ميراث أخيه، وسولت له نفس بأخذ أموال أولاد اخيه اليتامى، وطردهم في الشارع بلا مأوى، ودون شفقة، وتتطور الأمر ووصل بهم الحال إلى أمام القاضي، وهنا يأتي دوري! فلقد دفع لي ذلك العم كثير من ألاموال لكي أشهد لصالحة، فوقفت أمام القاضي، ووضعت يدي على المصحف وقلت: أشهد أن أقول الحق، فكانت الجملة هي الحق الوحيد الذي نطقت به، أما ما بعدها فكان سم وكذب، ونفاق. 

 

قلت: يا سيدي القاضي، أشهد أن المرحوم قد كتب تنازل الى أخيه عن كل الميراث، وأخرجت ورقة من جيبي وهي عبارة عن عقد تنازل عن ألاملاك من الرجل المتوفي إلى أخيه، وحتمًا كان عقد مزور، أنا قمت بصياغته لكي أقنع القاضي بصدق شهادتي، ولقد كان لي ما أريد، وتم الحكم لصالح ذلك العم الجشع ونلت أنا الكثير من المال.

مرت الأيام وأنا على ذلك الحال كل يوم قضية جديدة، وأنا دومًا أشهد لصالح ضعيفي النفوس، وأكسب المال، وفي يوم ما وأنا أقود سيارتي التي كانت آن ذاك أحدث السيارات فلقد كونت ثروة من وراء لساني الناطق بالسم دومًا، تعرضت لحادث مروري، كان حادث كبير جدًا ، أجبرت أن امكث بالمستشفى شهرًا كاملًا حتى يتم علاجي، ولكن بعد أن خرجت كان هنالك شلل في يدي اليسري، واستوجب ألامر جلسات للعلاج الطبيعي.

 

وفي أول يوم لبداية الجلسات، كان القدر يخبئ لي مفاجأة مذهلة، فلقد كانت معالجتي هي تلك الأرملة التي سلبتها حقها في الميراث! هي وأطفالها اليتامى بسبب شهادتي تلك، فنظرت إلي بنظرة اشمئزاز، فقالت لي: لقد تذكرتك فأنت جاسم الذي شهد لصالح عم أولادي وسلبني، وسلب أولادي حقهم في ميراث أبيهم فقلت لها: نعم أنا هو.

فقالت لي: أنني مجبورة على معالجتك.

ورغم إنك كنت أنت سببًا في ما حدث لي.

فقلت لها كيف؟ بالله عليك أخبريني!

قالت لي: كنت دومًا أضبط منبهي لكي أقوم الليل في الساعه الثانية والنصف، وبينما كان كل الناس نيام كنت أنا في مناجاة مع رب العزة، أدعي عليك لأنك كنت السبب في كسب ذلك العم الأموال، فبغيرك لما كان كسب.

 

واصلت الحديث وهي تحكي لي كيف كافحت وأكملت تعليمها لتصل إلى المكان الذي فيه كممرضة للعلاج الطبيعي، فشعرت بالخجل من نفسي، وخرجت من المستشفى إلى المحكمة، ووجدت ذلك القاضي الذي حكم بالحكم، فقلت له: يا سيدي القاضي هل لي دقائق من زمنك؟ فقال لي تفضل.

فقصصت إليه كل ما حدث، واعترفت بشهادتي الزور، وأنني ندمان لما حدث، فأصدر القاضي أمر بفتح القضية من جديد، وتم الحكم فيها لصالح الأرملة وأولادها وردت إليها جميع أملاكها، وتم العفو عني وباعتباري شاهد رجع .إلى الصواب، وعفت عني تلك الطبيبة

نعم عفت عني ولكن هنالك الكثير قد ظلمتهم غيرها! ولكن لا أملك إلا أن أطلب من الله أن يسامحني، ومن يومها تركت شهادة المحاكم وأصبحت اكتسب مالي من الحلال وأنا على يقين أن يوم ما وضعت موقف شاهد في قضية فإني هذا المرة أشهد أن أقول الحق.

 

عن المؤلف