كتبت سارة أسامة النجار
لَطالما كُنَّا نقولُ للأطفالِ قبلَ مجيءِ العيدِ: “لو عملتَ مشاكلَ وزعلتَني، سأخبرُ العيدَ وأمنعهُ من المجيءِ إليكَ…” وهَا هو العيدُ لم يزرنا بعدُ. فهل زعلَ منا العيدُ لأننا كُنَّا نُقحمهُ في مشاكلِنا الشَّخصيةِ، ونُلبِسُه قِناعَ المُعاقبِ الشَّريرِ؟
المجرةُ بأكمَلِها قد مرَّ عليها أكثرُ مِن عيدٍ، وكلُّ الأديانِ السّماويةِ والطوائفِ والمذاهبِ احتفلت بتوالي الأعيادِ. إلا نحنُ في غزةَ؛ فقد مرَّ علينا خمسةَ عشرَ شهرًا حافيةً من الأعيادِ. وها هي الألعابُ النّاريةُ تُزغرِدُ في سماءِ العالمِ بأسرِهِ، بينما تلطمُ الغاراتُ صفوَ سمائِنا، فتمطرُ علينا الشظايا، مُخلِّفةً دمارًا، وتقطفُ مِنَّا آلافَ الأرواحِ.
وفي الوقتِ الذي يُوزِّعُ فيه العالمُ الحلوى على بعضهم البعض، نُوزِّعُ نحنُ على بعضِنا أكياسًا بلاستيكيةً بديلًا عن الأكفانِ الغائبةِ، مُغلفةً بكلماتِ الصّبرِ والثّباتِ. نتيممُ بالبارودِ ونقيمُ صلاةَ الجنازةِ تحتَ الرُّكامِ.
العالمُ يتباركُ بالخيرِ القادمِ في الأعيادِ، ونحنُ نُعلِّقُ تمائمَ الأملِ على أبوابِنا، عسى أن تتوقفَ الحربُ. لكنَّ عيدًا تلوَ الآخرِ يمرُّ أمامَنا مُرورَ الكرامِ، مُتجاهلًا أمالنا المُعلقةَ.
فلِماذا، يا عيدُ، تُعاقِبُ أكثرَ مِن مليوني غزيٍّ، وتحرِمنا مِن عِناقِكَ؟ لماذا تحرمُ الأطفالَ مِن هداياكَ؟ لماذا تحرمُ النساءَ مِن زينةِ الأعيادِ التي طالما انتظرنَها؟ ولماذا تحرمُ المُسنينَ مِن الانحناءِ لتقبيلِ أيديهم؟ لماذا تحرمُ الشَّبابَ مِن لَمِّ شملِ ذويهم؟ لماذا لا يجتمِعُ الخيرُ مع أرضِنا؟
هل يعاني العيدُ مِن فوبيا رؤيةِ الدّماء؟ أم هل العيدُ خائفٌ، لذا يُحيِّي صُمودَنا من بعيدٍ؟
أينَ العيدُ؟ هل تمَّ اغتيالُهُ كما أُغتيلَ خمسةٌ وأربعونَ شهيدًا؟ هل هو مفقودٌ تحت الأنقاضِ، مثلَ مصيرِ أكثرَ مِن عشرةِ آلافِ شخصٍ مجهولِ المصير؟ أم هو مُعتقلٌ خلفَ القُضبانِ، مثلَ مئاتِ الغزيينَ وآلافِ الفلسطينيينَ؟
هل رأيتم العيدَ مُمددًا في أحدِ المُستشفياتِ المُنهارةِ، مُصابًا في وتينِ أُمنياتِه؟ باللهِ عليكم، مَن يعلمُ عنهُ شيئًا، فليُخبرنا، أو أخبروهُ أننا نتوقُ شوقًا إليهِ.
ولحينِ يعودُ العيدُ، سندعو لهُ ولشعبِنا بالرّحمةِ، والشّفاءِ، والحُريةِ، والفرجِ.
يا عيدُ، أعد الكَرَّةَ، لكن لا تعد بعيدًا عنَّا. كُن عيدَنا، أرجوك، اسمعْنا ولَبِّ ندائَنا.
وكلَّ عامٍ وأنتم بخيرٍ، يا مَن تناصرونَ الإنسانيةَ.
المزيد من الأخبار
كل مستحيل مع الله يتحقق
ستارٌ خلف ابتسامة
سعيٌ نحو الخفّة والسلام الداخلي