كتبت مريم جمال
في زوايا الروح التي لم تعدْ تُزار، تقبعُ أحلام الطفولة ككتبٍ قديمةٍ مغبرّة. كلّما مررت بها، تذكّرت ذلك الوقتَ الذي كانت فيه الحياةُ بسيطةً كورقةٍ بيضاء، والأحلامُ ملونةً كأقلامِ طفلٍ يحلم أن يصل إلى النجوم. كنتُ أعدُّ الخطواتِ إلى القمر، وأخيطُ من الغيومِ ثوباً لأحلامي. لكنّ السنواتِ مرّت كالقطارِ السريع، ووجدتُ نفسي فجأةً في محطةِ الواقع، حيثُ الأحلامُ تُباعُ بالقطعة، وحيثُ الفرحُ يحتاجُ إلى موعدٍ مسبق.
أين ذهبتْ تلك البراءةُ التي كانت ترى المستحيلَ ممكناً؟ أين ذلك القلبُ الكبيرُ الذي كان يتّسعُ لكلّ شيء؟ صرنا نعيشُ في قفصِ المسؤوليات، نراقبُ الساعةَ بدقّة، وننسى أن الحلمَ لا يعرفُ الوقت. نلهثُ وراء أشياءَ لا نريدها، ونبتعدُ رويداً رويداً عن أنفسنا، حتى إذا ما التفتنا ذاتَ يوم، وجدنا أن الحلمَ الوحيدَ المتبقي هو أن ننامَ بسلام.
في الليل، حين يخلو العالمُ إلى نفسه، أسمعُ همساتِ أحلامي القديمة. تتساءلُ بخجل: “لماذا تخلّيتَ عنا؟ ألم نكنْ كافينَ لك؟” أحاولُ إمساكَها، لكنها تذوبُ كالندى بين أصابعي. لعلّها لم تغبْ، بل صارتْ جزءاً من ذلك الظلّ الذي يرافقني في صمت. أحلامٌ صغيرةٌ علّقناها على جدارِ النسيان، بينما انشغلنا بجمعِ الغبار.
لكنّ الأملَ يعودُ كالنورِ الخافتِ في نهاية النفق. ربما لم تمتْ تلك الأحلام، بل نامتْ في انتظارِ صحوة. صحوةٍ تأتي ذاتَ صباح، فنستيقظُ ونكتشفُ أن الوقتَ لم يفتْ بعد. أن الحلمَ لا يشيخ، بل نحنُ من نتعبُ من السعي وراءه.
فهل نجرؤ يوماً أن نحلمَ من جديد؟ أن نعيدَ للسماء لونها، وللقلبِ براءته؟ أم أننا سنظلُّ نعيشُ على بقايا أحلامٍ عفا عليها الزمن؟
المزيد
حين يظنّ القلب أنه ناقص – الكاتب هاني الميهى
أنا امرأة لا تشبه كل النساء – الكاتبة سميرة السوهاجي
رقبة منحنية…وروح منطفئة – الكاتب أمجد حسن الحاج