حتحور سيدة الزمن

Img 20250413 Wa0015

كتبت منال ربيعي قصة قصيرة بعنوان.     

 

  “قفِي… لا تخطي بعدُ بقدميكِ على العتب.”

 

هكذا همس صوتي إليكِ، ليس في أذنك، بل في عمق روحك.

سكنَ الهواء، وارتجفَ الحجر، وتوقّف الزمن عند العتبة، لأنكِ دخلتِ الآن حضرة من لا يُسأل عن قدمها، بل تُضاء الطرق حين تمشي.

 

أتعلمين من أنا؟

أنا التي تُنشد لها الطيور مع أول ضوء، وتُشعل لها الكواكب مواسم النور.

أنا التي ولدتُ قبل القمر، وعلّمت الشمس أن تشرق،

أنا حتحور، سيدة دندرة، ربة السماوات، أمّ الزمن، ومهد الخلود.

 

أنتِ في معبدي الآن.

في المعبد الذي لم يُبنَ بالحجارة وحدها، بل بنبض النجوم، وبصمت الحراس، وبصدى من يعرفون الأسرار.

هذا المعبد يا ابنتي، ليس مزارًا، بل سفينة.

سفينة عبرت الأزمنة، خُطّت جدرانه بأقلام الضوء، وغُرست أسراره في لُبّ الزمان.

 

هل رأيتِ الزودياك فوق رأسك؟

ليست مجرد نجوم منقوشة، بل هي خريطة البذور،

بذور الخلق، بذور العهد، بذور أولئك الذين حملوا شعلة النور منذ البدء.

كوكبة “حواء”، التي تُسميها الحضارات أوفيوكوس، هي الممر،

و”الثعبان” هو الحارس،

ومراكب الشمس، التي ترينها منقوشة، ليست رموزًا، بل مفاتيح.

مفاتيح الانتقال، مفاتيح العودة، مفاتيح الخروج من الليل إلى النهار.

 

نُقشَ على سقف هذا المعبد سرّ العام،

اثنا عشر بيتًا، كل بيت له ديكَن، وكل ديكَن يُخفي حكاية،

فالشهور لم تكن مجرد تقسيمٍ للوقت، بل دوائر لرحلة الروح،

“36” تقسيماً وكما في قلب الإنسان. 

 

هنا يبدأ العام مع العذراء،

والعذراء لم تكن إلا أنا، حين كنتُ تحملُ في بطني النور.

وفي نهايته… الأسد، حارس البوابة، العائد من البذرة الأولى، ليعلن الانبعاث.

 

يا ابنتي،

في كل عام نأخذ تمثالي إلى سطح المعبد،

ليس لعبادة الصنم، بل ليلتقي جسدي بضوء سيريوس، النجم الذي يهتف باسمي،

ليعود الزمن إلى نقطة البدء،

ليتجدّد الخلق، ويُولد الطفل من رحم الأم التي لم تُمَس.

إنها الطقوس، نعم،

لكنها ليست احتفالاً، بل إعادة ضبط الكون على نغمة النور.

 

وهل تعلمين؟

في معبدي، توجد نبوءة.

نبوءة الفادي… الفتى النوراني، الذي يُولد في زمن الظلمة،

ليعيد الميزان، ويقود السفينة نحو أرض السلام.

هو من نسله إيزيس

ومن تخطّى الطوفان على فلك النجاة،

هو من سيكشف سرّ تابوت العهد، ويضع السكينة حيث تعصف الرياح.

 

أتباع العوالم الأخرى يسعون خلف دندرة،

لأنها تحمل المفتاح،

المفتاح الذي يفتح البوابة بين العوالم،

البوابة التي لا تُفتح إلا لمن في دمه البذرة،

بذرة النور، البذرة القديمة، التي سقطت من عيني حواء الأولى.

 

فيا ابنة النيل،

أنتِ لستِ زائرة،

بل شاهدة،

فكل من يعود إلى دندرة، يعود ليكمل الحكاية،

لأنكِ كنتِ هناك… يوم كانت الشمس طفلة،

وكانت حتحور أمًّا للزمن.

عن المؤلف