كتبت منال ربيعي
في ليلة قمرية باردة، حيث الصمت يلف الأرض ككفن من ضوء فضي، وقف “نديم” أمام بوابة معبد قديم في أعماق الصحراء. كانت جدرانه تحمل نقوشًا طُمست مع الزمن، لكن ظلالها كانت تنبض بحكايات لم تمت. لم يكن يعلم كيف وصل إلى هنا، لكنه شعر أن شيئًا ما ينتظره.
تقدّم بخطوات ثقيلة، حتى وجد نفسه في ساحة واسعة، تتوسطها نار خافتة، وحولها وقف رجل بملامح لا تنتمي إلى زمنه. كان طويل القامة، ذو لحية مهذبة، ويرتدي رداءً ملكيًا تتدلى منه نقوش ذهبية. لم يكن مجرد رجل، كان “سخم رع”، ملك منسي من مصر القديمة، عاد ليواجه زمنًا لم يعد يعترف بوجوده.
نظر إليه نديم بدهشة، لكنه لم يشعر بالخوف. كان هناك شيء مألوف في عيني الملك، كأنهما مرآة لروحه. تحدث الملك بصوت عميق:
– “لماذا أتيت إلى مملكتي بعد أن صارت رمادًا؟”
أجابه نديم بصوت مرتجف:
– “لم آتِ بإرادتي… كأن نداءً ما قادني إليك.”
ابتسم الملك بحزن وقال:
– “كنتُ يومًا سيد هذه الأرض، كنتُ أظن أن المجد لا يموت، وأن اسمي سيُذكر إلى الأبد، لكن انظر… أين شعبي؟ أين حكمتي؟ لقد صرتَ أنت من يتجول بين أطلالي، وأنا لستُ سوى ذكرى محبوسة بين الحجارة.”
ساد صمت ثقيل. شعر نديم بوخز في قلبه، كأن الكلمات لم تخرج من فم الملك فقط، بل من داخله هو أيضًا. أليس هو الآخر مجرد ظل لإنسان عاش يبحث عن مجد لم يجده؟ أليس كل شيء مصيره النسيان؟
ثم نظر الملك إليه مجددًا وقال:
– “أخبرني… هل ما زال البشر يذكرون ملوكهم، أم أن الجميع باتوا مجرد أسماء في كتب يقرؤها العابرون دون اكتراث؟”
تنهد نديم وأجاب:
– “لا أحد يبقى يا سيدي… لا الملوك، ولا العابرون. كلنا مجرد صدى يتلاشى.”
ابتسم الملك، وكأن هذه الإجابة حررته من قيد أبدي. بدأ جسده يتلاشى، وتلاشى معه الضوء الخافت حتى غرق المكان في الظلام.
استيقظ نديم على سريره، وقلبه يضج بأسئلة لا إجابة لها. هل كان حلمًا؟ أم أن بعض الأرواح لا تموت، بل تنتظر من يوقظها ليمنحها وداعًا أخيرًا؟
المزيد من الأخبار
أسطورة الرجل الذي أحب
وسط الطريق المظلم
مكالمة بعد منتصف الليل