طيف على كاهلي 

Img 20250203 Wa0000

 

كتبت: هاجر حسن 

 

الأيام أصبحت متشابهة، تمر بلا معنى، كأن الزمن توقف في دائرة مفرغة. ساعتها تنقضي في خدمة متطلبات الآخرين. انطفأ شغفه، فقد حبه للحياة، وغرقت هواياته التي كانت تنعش روحه في بحر من اللامبالاة. كان يشعر بشيء غريب يأسر روحه، يبعده عن ذاته الحقيقية، ويثقل خطواته.

 

ذات يوم قال بصوت متردد: “احتاج إلى استراحة، أشعر أنني لست بخير.” الجميع نهره. لكن لم يبالي أحد له. طلباتهم لا تنتهي، ولم يجد أحدًا يخفف عنه.

 

فقد اعتاد قول “نعم”. لم يعتد قلبه على الرفض، حتى وإن كان ذلك يُنهكه. ومع ذلك، لم يكن الجميع شاكرين. البعض يجرحه، وآخرون يلقون على كاهله أحمالًا فوق طاقته.

 

وحين باح ذات مرة: “قلبي يئن”، لم يسمعوه. حتى صرخ باكيًا، لكنهم تجاهلوا دموعه الساقطة. كابر وصبر، معتقدًا أن الصواب هو دفن كل شعور ثقيل يعصف بروحه. 

 

ثم استيقظ ذات صباح بثقل غريب في رقبته وكتفيه. تناول مسكنًا، وأكمل يومه كالمعتاد، منصتًا لحكايات الآخرين، بينما الحزن ينهش وتين قلبه. 

 

في مساء يوم مرهق، عاد إلى منزله مثقل الجسد والروح. ذهب إلى غرفته باحثًا عن الراحة. وبينما كان يدلك رقبته التي لم تتوقف ألمها، اقترب من المرآة ليتفحصها.

 

هناك، في انعكاسها، رأى ما لم يتوقعه. 

 

تجمدت أطرافه، وانحبست أنفاسه. رأى طيف كائن غريب، جاثمًا على كتفيه بثبات مرعب، يحدق فيه بعينين مظلمتين. صرخ وسقط مغشيًا عليه.

 

حين أفاق، وجد نفسه ممتدًا على الأرض، غارقًا في عرق بارد، وقلبه ينبض كطبول الحرب. حاول أن يهديء من روعه، مقنعًا نفسه بأنه مجرد كابوس، رفع رأسه ببطء نحو المرآة، مترددًا في النظر مرة أخرى. 

 

 

بخطوات مرتجفة، اقترب منها. نظر بعين شبه مغلقة، وجسد مرتعش. وحين نظر ثانية، رأى الكائن في مكانه ذاته، جاثمًا على كتفيه، وعيناه تقولان بوضوح: “أنا جزء منك لن أرحل.”

 

صرخ مستغيثًا بأهله، فجاءوا مسرعين. طلب منهم النظر إلى المرآة وكتفيه، لكنهم لم يروا شيئًا. ظنوا أنه يعاني كابوسًا، وطلبوا منه زيارة طبيب نفسي. 

 

ذهب إلى الطبيب، فكتب له مهدئات وطلب منه أخذ قسطًا من الراحة. لكنه عاد إلى المرآة، يواجهها مرة أخرى. مد يده المرتجفة نحو الكائن، محاولًا لمسه، لمنه لم يستطع.

 

مرت الأيام، وهو صامت حزين، الطيف المظلم والألم كان يتغذى على روحه. والمهدئات لم تجدي نفعًا. لم يجد بين القلوب من يخفف عنه. 

 

في لحظة يأس، قصد المسجد. صلى، وبكى بمرارة يشكو لربه. فجأة، اقترب منه رجل بسيط ملامحه هادئة، وعلى وجهة سكينة تشع طمأنينة. 

 

قال الرجل بهدوء: “تخلص من هذا الوحش الذي يجثم على كتفيك.”

 

رفع رأسه بدهشة: حقًا تراه؟ هل تراه كما أراه؟”

 

ابتسم الرجل وأجاب: “نعم، فقد كان مثله جاثمًا على كتفي يومًا ما.” 

 

بصوت ملهوف، قال: ” أرجوك، أخبرني، ما هذا؟ وكيف أتخلص منه؟”

 

رد الرجل: “على رسلك، خذ نفسًا عميقًا وأهدأ. هذا الوحش هو وحش قهر النفس، نوعًا من أنواع الاكتئاب، تغذي على حزنك وكتمانك، وإهمال ذاتك، حتى صار طيفًا أسود يثقل كاهلك، ويخنق روحك. 

إنه نتيجة إهمالك لنفسك وإرضائك للآخرين على حساب ذاتك. طفولتك التي جعلتك تعتاد على قول نعم في كل وقت، حتى عندما تكون غير قادر. إنه طيف الضغط النفسي وهمسات القساة الذين لم يرأفوا بك.”

 

ثم أكمل الرجل : “لتتخلص منه، يجب أن تحب نفسك أولًا. امنحها استراحة. تعلم أن تقول لا عندما تكون غير قادر. 

واعلم أن في هذه الحياة، إن لم تختر نفسك أولا، فستصبح حطبًا لقلوب لا تشبع من استنزاف الأنقياء.”

 

وهنا بدأ ألم الطيف يقل، وشعر أن دواءه أصبح بين يديه. وكأن روحه بدأت تتحرر من حبس انفرادي مظلم، كان سجينًا فيه لزمن طويل.

عن المؤلف