كتبت: هاجر حسن
“لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ”
القصص القرآني ليس مجرد حكايات تُروى، بل هو نور يسري في الظلمات، يضيء القلوب ويُلهب العقول بأسرار الحكمة. كأنه فراشات مضيئة تحوم حولك، تترك أثرًا من الأمل والإيمان في روحك. في عالم هذه القصص، نجد معاني الحياة مكتوبة بحبر العبر، ومفعمة بدروس لا تبهت بمرور الزمن.
آدم وحواء: درس التوبة
منذ البدء، كانت حكاية الشجرة المحرمة. انصياع الهوى قد يقود إلى السقوط، لكن رحمة الله تتجاوز كل الخطايا بعد التوبة.
“فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.”
نوح: اليقين في مواجهة الطوفان
كم كان الطوفان هائلًا، وكم سخر العالم من سفينته، لكنه ظل يعمل بكد، ينفذ وحي ربه.
تمسك بحلمك، حتى وإن سخر منك العالم. كما صمدت سفينة نوح في وجه الطوفان، ستصمد أحلامك إذا كنت مع الله.
“فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ.”
صالح: مصير العناد والجحود
الناقة كانت آية، لكن العناد والكفر يعمي القلوب، بجحودهم قتلوا الناقة، جلبوا على أنفسهم الصيحة الهادمة. كم من عنادٍ يحرمنا من الخير؟ وكم من جحود يغلق أبواب النعم.
“فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.”
إبراهيم: الإيمان يجعل نار الظالمين سلامًا
النار التي أضرموا لهبها، بأمر ربها لم تمس إبراهيم. عندما يكون الله معك، تصبح النار بردًا وسلامًا، ويغدو الكون شاهدًا على إيمانك.
“قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ.”
إسماعيل: طاعة الله، وطاعة الوالدين
طاعة إسماعيل لرؤيا أبيه وإقباله على التضحية بنفسه برضا عجيب، تُعلمنا الامتثال لأوامر الله وطاعة الوالدين يحمل الخير دائمًا. كانت الفداء بكبش عظيم برهانًا على أن الإخلاص والتسليم لله هما مفتاح النجاة.
“فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ”
يوسف: يدبر الأمر
الحسد مختلط بهوائنا، يسمم القلوب، يقطع حبل الأخوة، ويغرقه في ظلام. من ظلمة البئر ووحشة السجن إلى ملك مصر، تعلم قصة يوسف عليه السلام أن رحمة الله أوسع، وأن تدبيره يشرق بالنور ولو بعد حين.
“وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُءْيَٰىَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّا.”
أيوب: الصبر مفتاح الفرج
حكمة الصبر تجسدت في أيوب عليه السلام، حين اشتد البلاء، لم يشتكِ إلا لله. شكواه كانت همسًا مليئًا بالرجاء. بالصبر يجدد الله ما فقدنا، ويعيد الحياة إلى قلوب أنهكتها المحن.
“وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.”
يونس: نجاة التسبيح
في ظلمات البحر وبطن الحوت، كان التسبيح نورًا يضيء درب النجاة. كلما اشتد الضيق، سبح ربك، فالفرج أقرب مما تظن.
“فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.”
موسى: عصا الثقة بالله
ضربة عصا شقت البحر، وهزمت الطغيان. في كل مرة يحيط بك الخوف، تذكر أن الله معك.
“فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ”.
سليمان: الإخلاص لله وحكمة الغيب
غيرة الهدهد على دينه، تعلمنا الإخلاص لله في العمل والإيمان. “وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيۡرَ فَقَالَ مَالِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَآئِبِينَ”.
ونملة صغيرة كشفت سر موت سليمان، لتبين لنا أن الجن مهما بلغت قوتهم، لا يعلمون الغيب، ولا يملكون من أمرنا شيئًا.
“فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ”.
زكريا: لا يأس مع الله
زكريا كان شيخًا، لكنه لم يفقد الأمل. فتضرع لربه أن يرزقه ذرية طيبة. الدعاء يصنع المعجزات، والله قادر على إيقاظ لأحلام.
“هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ”.
عيسى: برهان المعجزات
معجزاته كانت إشارات إلى قدرة الله المطلقة، وحياته مع مريم رمزًا للصبر، وحب الله.
“إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ”.
محمد صلى الله عليه وسلم: النور الأخير
هو النور الذي أضاء دروب البشرية، رحمة تمشي على الأرض. من سيرته نتعلم الرحمة، والعدل، والحكمة، ونتخذ منه منهجًا لحياة طيبة وفوزًا بالآخرة.
“قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ”.
ليست هذه القصص مجرد حكايات، بل هي بصائر للقلوب. تأملها، وستجد في كل كلمة منها إشعاعًا يزيل ظلمة الطريق؛ وعبرة تغير مسار حياتك. فالقصص القرآني؛ عبر ودروس.
المزيد من الأخبار
سموم سوء الظن
أميرة الماضي الأسود
أذْكُر أنني نمت بعد انهيارٍ مُفزع فاستيقظت شخصًا لا أعرفه