كتب وليد اسماعيل علي
السلام عليكم عزيزي، يا من تتأمل الآن في حروفي التي كوَّنت قصتي هذه. بعد السلام، دعني أعرّفك بنفسي؛ أنا رجل أبلغ من العمر الخامسة والخمسين ربيعًا، أُدعى هيثم، لكن الجميع يطلقون علي لقب (أبو الخير)، وستعرف عزيزي لماذا أُطلق علي هذا اللقب.
إنني أملك البلدة كلها أو معظمها، وذلك بسبب مساعدتي للناس، لكنها كانت مساعدة مغلفة بورق الشر والظلم. فقد كنت أتلذذ بظلم الناس وكسرهم، ولم أترك أحدًا وقف بباب بيتي إلا وقد ندم على مجيئه وطلب العون مني. وقد أُطلق علي لقب (أبو الخير) كنوع من السخرية؛ لأنني لم أفعل خيرًا لأحد في حياتي إلا وأخذت ثمن هذا العمل مقدمًا.
عزيزي، الآن سأحكي لك نماذج مما كنت أفعل، اجلس ودعني أقصّ عليك القصص…
في يوم من الأيام، أتاني رجل فقير يشكو لي أن زوجته مريضة، ولا يملك المال لشراء الدواء لها، وكان ثمنه زهيدًا، لا يمثل شيئًا بالنسبة لي، لكنه كان ثقيلًا على رجل في مثل حاله. قلت له: “سمعت أن لك ابنة في عمر الثامنة عشرة”. فقال: “لم أذكر هذا أمامك لأني أخاف عليها منك”. فقلت: “إذا كنت تريد ثمن الدواء، فشرطي أن تجعل ابنتك تعمل خادمة في قصري”. بكى الرجل وبدأ يتوسل إليّ أن أساعده دون هذا الشرط، لكنني طردته من قصري وقلت له: “اذهب، فلا أعطي مالي دون مقابل”. وافق الرجل وهو يبكي، وقدّم لي ابنته خادمة، ورغم ذلك أعطيته مالًا أقل من ثمن الدواء كي لا يفكر بخداعي وأخذ ابنته. قلت له: “تعال بعد ثلاثة أيام وخذ باقي ثمن الدواء، لكن لن تأخذ ابنتك إلا عندما أسمح لك بذلك”.
أرأيتَ عزيزي كم كنت “أبو الخير”! نعم، أعلم الآن سبب تلك النظرة في عينيك، تحتقرني لأنني أستحق الاحتقار. لكن دعني أحكي لك موقفًا آخر ليزداد احتقارك لي…
في يوم آخر، وبينما كنت أتجول في المدينة، سمعت صوت أطفال يبكون في منزل، فطرقت الباب، وفتح لي طفل في العاشرة من عمره. سألته عن سبب بكاء الصغار، فقال لي: “إنهم جوعى، وأبي شيخ كبير مريض، وأمي لا تملك المال لشراء الطعام لنا”. ذهبت إلى والد الطفل وقلت له: “هل تحتاج إلى المال لتطعم صغارك؟” فقال: “أجل”. فقلت له: “سأعطيك المال، لكن ما الذي ستفعله لأجلي؟” فقال لي: “سأدعو لك!” فقلت: “لا أحتاج الدعاء، ولكن سأعطيك المال مقابل أن أجْلدك أمام أهل القرية. فبكل سوط على جسدك تأخذ مقابله دينارًا”. بكى الرجل، لكن صوت بكاء أطفاله كان أشد، فوافق. جمعت أهل القرية، وقمت بجلده حوالي سبعين جلدة، ثم أعطيته عشرة دنانير فقط. فقال لي: “ليس هذا ما جلِدتُ من أجله”. فقلت: “هذا تقديري لك، فإذا أردت المزيد من المال تعال غدًا لنحدد عدد الجلدات من جديد، فقد تعبت الآن”. خرج الرجل وهو في قمة الذل.
عزيزي، أرى الآن نظرة الغضب في عينيك تجاهي بدل الاحتقار، نعم، لديك الحق في هذا، لكن اهدأ قليلاً ودعني أكمل لك…
مرت الأيام، ولم أفوت أي ضيق حل بغيري إلا وأخذت مقابله ما أتلذذ به من إذلال الناس، وكيف لا وأنا “أبو الخير”!
نعم، سمعت صوتك عزيزي وأنت تقول: “أنت لا، والله، أنت أبو كل الشر والذل والقهر!”، أعترف بذلك، فأنا أحكي لك وأعلم مدى ظلمي للناس.
سأحكي لك أمرًا…
في يوم، وبينما كنت غارقًا في نومي، رأيت أنني في فراش الموت، وأتاني ملك الموت ليقبض روحي بشدة، وأمسك قلبي بقوة وغِلّ شديدين. كنت أصرخ وأصرخ، فقال لي: “أتريد أن أفلت يدي من قلبك؟” فقلت له: “نعم!” فقال: “وما المقابل؟” فقلت له: “خذ مالي”. فقال: “إنه ليس مالك، بل إنها أموال من ظلمتهم”. فقلت: “إذاً أفلته مقابل حسناتي”. فقال لي: “عن أي حسنات تتحدث؟! وماذا قدمت مقابلها؟” فنهضت من نومي في حالة ذعر وخوف، وقررت أن أكون “أبو الخير” حقيقة، وأصبحت أساعد كل محتاج بلا مقابل، حتى أصبحت محبوبًا من الجميع.
المزيد من الأخبار
وتفاقمت المسافات
الطفل الشريد
وتفاقمت المسافات