9 فبراير، 2025

لست منهم

Img 20250105 Wa0015

 

كتب وليد اسماعيل علي

نعم، هي ليست منهم، ولن تكون منهم في يوم من الأيام. ولكن قبل ذلك، دعني، عزيزي القارئ، أحكي لك القصة من البداية. أحضر لنفسك كوباً من القهوة وبعض التمر لترافقني في قصتي.

 

أنا شاب أعيش في قرية تحيط بها الجبال من كل جانب، أبلغ من العمر سبعة وعشرين عاماً. كنت دائماً أتردد على الجبال، وبالأخص على “مملكتي”، ذلك الكهف الصغير في قلب الجبال. لقد قمت بتنظيف الكهف وجعلته مكاناً مريحاً ألجأ إليه يومياً للهدوء والراحة.

 

وفي يوم، بينما كنت في طريقي إلى كهفي الصغير، بدأت أسمع أصوات ترانيم وأغاني غير مفهومة. كانت أصداء الصوت تتردد بين الجبال، تضفي عليه نغمة مهيبة تشعرني بالرهبة. اندفعت نحو مصدر الصوت، وكلما اقتربت كان الصوت أوضح. وصدق حدسي؛ فقد كان مصدر الصوت بالفعل من كهفي. وعندما وصلت إلى هناك، صُدمت مما رأيت؛ شعرت بتخاذل قدميّ وانهارت قوتي. ولكنني تماسكت وبدأت أنظر بذهول.

 

أمام عيني، رأيت فتاة فائقة الجمال؛ شعرها أشقر طويل كأنه خيوط من زجاج، وعيناها كقمرين في سماء هادئة. صدقني، لا أبالغ. ليتك كنت هناك لتشاهد ما شاهدت، حتماً كنت ستجد وصفي هو عين الحقيقة. حاولت الاختباء، لكن الصوت توقف، وسمعت صوتاً يقول: “أيها الآدمي، أقبل، فقد رأيتك. تعال ولا تخف. أنا أعرفك يا ديلو.” تملكني الذهول؛ فقد كان هذا اسمي، لكن كيف تعرفه؟

 

استجمعت ما تبقى من شجاعتي وجلست، فقالت لي فوراً: “أنا لست منهم.” سألتها: “من تقصدين؟” فأجابت: “بنات حواء، كما تقولون أنتم البشر. أنا جنية، واسمي سيلينا، وعمري الآن ثلاثة وتسعون عاماً.” بدأت تضحك وقالت: “أعرف سر الدهشة على وجهك.” كنت مذهولاً؛ كيف لهذه الفتاة التي تبدو في الثانية والعشرين أن تكون في العقد التاسع من عمرها؟! قالت لي: “نحن في عالم الجن نكبر ببطء، ويصل عمرنا إلى ألف عام أحياناً.” وأخبرتني أنها تعرفني منذ زمن طويل، وكانت ترافقني في كل مرة أزور فيها كهفي وتراقبني. وقد كانت تنتظرني اليوم لتظهر لي بشكلها الجني الجميل.

 

سألتها: “لماذا أنا بالذات؟ لماذا اخترتِ أن تساعديني؟” فأجابتني بابتسامة: “لأنك تمتلك روحي.” سألتها بدهشة: “كيف ذلك؟” فردت: “اكشف عن الوشم الذي وُلِدت به، الذي على كتفك الأيمن.” كشفت عن الوشم في حيرة؛ كان وشماً على شكل سيف صغير، ولم أجد مثيلاً له من قبل. فقالت لي: “الآن، انظر إلى كتفي.” أصابتني الدهشة؛ كان لديها نفس الوشم، وبنفس الحجم والمكان. قلت في ارتباك: “هل هي صدفة؟” فقالت لي: “ليست صدفة، فأنا وأنت خلقنا لنكمل بعضنا بعضاً. لقد بحثت عنك طويلاً، وعندما تأكدت أنك المقدر لي، انتظرتك هنا اليوم.”

 

تبادلنا الحديث، وذكرت لي أحداثاً حصلت لي وكان لها دور فيها، مثل تلك المسابقة التي فزت بها قبل ثلاثة أعوام؛ كان يفترض بي أن أختار رقماً خاطئاً، لكنها تلاعبت بالأرقام لتجعلني أفوز. لولا مساعدتها، لما كنت حققت الفوز.

 

عزيزي القارئ، لم أكن أؤمن بوجود الجن يوماً. ولكن بعد لقائي مع سيلينا، تغير كل شيء.

 

عندما عدت إلى منزلي، أغلقت النوافذ استعداداً للنوم، ولكن فجأة اهتزت نافذتي وفتحت ببطء. قلت مبتسماً: “مرحباً بكِ يا سيلينا في عالمي!” نعم، كانت هي، وجلسنا نكمل الحديث حتى شعرت أن الوقت يختفي برفقتها. فهي ليست منهم، كما أخبرتني من قبل، وهي كانت صادقة تماماً.

عن المؤلف