10 فبراير، 2025

فتَاة الحَقل

Img 20250103 Wa0105

 

سُندس خالد حمّامي

 

كانَت “إيلينيا” تقرأُ كتابًا عن الدَّعم النَّفسي أمام حقل الكَرز، “إيلينيا” فتاة عمرها خمسةَ عشر عاماً شعرها مجَعَّد أشقَر، عيناها خضرَاء، وَوجهُها أبيَض، ترتَدي فستاناً أحمراً يغطّي ركبتيهَا، وعلى عُنقها ربطة بيضاء مزركَشة بالأحمَر، جلسَت تنظر إلى الطََبيعة الرَّائِعة، فأتى إليها صديقها “جيڤان” واختلسَ النَّظر إلى اسم الكِتاب:

 “لا تقترب إلى المَرأة الشَّرِسة”

جلسَ بقربها ونطقَ بكلمةٍ انتفضَت مِنها بخوفٍ وارتجفَت من فجأةِ حديثهُ، وقال: أيتها المرأة الشَّرسة،

“جيڤان” فتى يبلغُ عمره في السابعة عشر من عمره، شعرهُ أسود، ذو عيون سوداء، ووجهٌ أبيض،

-التفتَتْ إليه وقالت لهُ: لقد أخفتَني كثيراً

-ماذا تقرأين؟

-كتابًا لدعمِ المرأة

-أمممم ألا يوجَد كتبٌ للرجال

-الله وضعَ بكم الشَّراسة دونَ شكّ وتريدُ المَزيد

ضربَ رأسها بيده وقال: يا لكِ من فتاة لسانها يستحبّ قطعهُ

-لا تقل هذا وإلّا….

-وإلّا ماذا ها

انتفضَتْ “إيلينيا” وبدأت بالرَّكضِ خلفَ “جيڤان” لن تمسكِ بي يا “إيلِي” توقَّفَ لحظةً عن الكَلام وكانَت “إيلينيا” قد وقعَت على رأسها وفقدَت وعيها، عادَ “جيڤان” إليها يضرب وجهُها بيديه، استيقظي يا “إيلي” حملها وبدأ يركضُ بها إلى طبيب الحيّ الّذي يقيمُ قربَ منزلهُم، وصلَ وهو يشعُر أنَّ قلبهُ اقتلعَ من مكانهُ، أيها الطبيب وقعَت على رأسها وكان يوجَد حجرة كبيرة كانت تركض في حقلِ الكَرز، وضعَ الطبيب يدهُ على عنقها يتحسَّس نبضها، لا تقلق هي بخير لأتفحَّص رأسها، وضعها على سرير الفَحص كانَت كالملاك نائِمة على السَّرير، ينظرُ إليها “جيڤان” ويطقطق أصابعهُ، في رأسها جرحاً بسيط سأنظفهُ لهَا، نطقَ “جيڤان” بصوتٍ يرتجف

-حسناً أيُّها الطبيب

-انتظر بالخارج وسأناديك

-فتحَت “إيلينيا” عينيها بصعوبة كبيرة وهي تتألّم ونادَت “جيڤان” “جيڤان” ركضَ إليها ماذا يا جميلَتي؟، هل تتألمين؟…أغمضَت عينيهَا وهي تحرّك رأسها وكأنها تقولُ لهُ نعَم، ودموعها تذرف على أطرافِ وجهها، وهو يمسحها بيديه، أمسكت يدهُ وتضغَط عليها مع كلِّ ألم تتألَّمهُ، وبعدَ وقتٍ طويل انتهى الطَّبيب ووضعَ اللصاقات والشاش على رأسها، وأعطاها القليل من الأدوية المسكّنة، يجب عليكِ أن تبقي نائمة ولا تأكلها الآن إلّا بعد خمس ساعاتٍ من الآن، أخبرهُ “جيڤان” حسناً أيها الطبيب شكراً لكَ، العَفو بالشفاء العاجل، 

هذا من لُطفك.

خرجَ من منزل الطَّبيب وأمسكَ يدها وساندها، والآن أيتهَا الشّرسة سنذهبُ إلى المَنزل، فنطقَت بصوتٍ متعب، أينَ عائلتكِ؟

ذهبوا إلى منزل جدّي وأبقوني هُنا لكنهم لن يعودوا لأنَّ جدّي متعب، وأخافُ أن أبقى وحدي، إبقى معي أنتَ ووالدتكَ هل تستطيعون؟

-نعم بالتَّأكيد نستطيع

أوصلها للمنزل ووضعها على سريرها وذهب لمنزله الذي يقربُ منزلها أخبرَ والدتهُ لكنّها لن تستطيع أن تذهب معهُ، اتصلت بوالدة “إيلي” وأخبرَ والدتها بكلِّ شيء، أخبرتهُ أن يبقى معها حتى الصّباح وقالت لهُ لا نستطيع المجيء الآن، أغلقَ الهاتف وخرج لمنزلها،

عادَ لمنزل “إيلي” نظرَ إليها وجلسَ على الأرضِ قربها وأمسكَ يدها وبدأ يبكي: أريدُ أن اعتذر منكِ على كلِّ شيء، أعلم كم تألّمتي لكنَّ جرحَ أيضاً على وجعكِ هذا، لم اكن أعلم أنكِ ستقعين ويصبحِ هذا بكِ، قبّلَ يدها وضمَّها إلى صدرهُ، مسح دموعهِ وقال: لو تعلمين كم أحبكِ، وكم أتمنّى أن أعترفُ لكِ وأخافُ من الرَّفض ليتكِ تقبلينَ بي يوماً ما يا جميلَتي،

فتحَت عينيها والتفتَت إليه وقالَتْ بصوتٍ متحشرجٍ مليئٍ بالوَهن: وأنا أحبُّكَ أيضاً كنتُ أخشى أن أخبركَ وأخجلُ من كلامي معَك دائماً، لا تبكي مرّة أخرى فأنا أحبُك، نظرَ إليها ومسحَ على رأسها بيدهِ، أنا آسف على ما طرأَ اليوم بكِ، لا تقلق يا “جيڤان” فأنا بخير، لكن إذهب واستلقِ على ذاك الفراش، سوفَ أجلبهُ لقربكِ وأنام على الأرض أخاف أن تكوني تريدين شيء ولا أسمعكِ، حسناً كما تريد، أنا سوفَ أنام الآن، انتظري قليلاً سوفَ أنام وأمسكُ يدكِ لا تنامي، ابتسمَت واقتربت لطرفِ السّرير ومدّت يدها لهُ هذهِ يدي أمسكها متى تشاء، استلقى على الأرض وأمسكَ يدها وسهرَ اللَّيل كلّهُ وهو ينظُر وجهِها البَريئ.

عن المؤلف