كتبت: هاجر حسن
إن عِظَم الجزاء من عِظَم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.”
حين تقذفك أمواج الحياة كزورق صغير في بحر هائج، فتشعر بالغرق، وتئن روحك بثقل ما تحمله، وحين تعيش أحداثًا كأن قلبك يحترق في لهيبٍ من نيرانٍ عاصفة، وحين تختبرك الأقدار لتكشف صدق إيمانك، اثبت وتذكر أنك لست المصاب الوحيد.
“مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”
انظر حولك،، وابحث بين المخلوقات، فحتى أدق الكائنات قد نالت نصيبها من الابتلاء.
انظر إلى عصفورٍ جريحٍ أصابه سهم صيادٍ، فحرمه التحليق. تأمل زهرةً تُقتطف فتفارق غصنها الرقيق وكأنما تنتزع روحها.
كما تُبتلى المخلوقات الصغيرة، كذلك يُبتلي عباد الله، كلٌّ على قدر صبره وإيمانه.
إن حُرمت من الأطفال، فتذكر يحيى وعائشة وغيرهم الكثير من عباد الله الصالحين الذين تحملوا البلاء بصبرٍ عظيم.
وإن ضاق رزقك، فاستلهم الصبر من أيوب، حين باعت امرأته ضفيرتها، فناجى ربه قائلًا: ‘ربي إني مسني الضر وأنت ارحم الراحمين.’
وإن شعرت بالوحدة تفتك قلبك، فانظر إلى مريم، تحتمي وحيدة، متألمةً، بجذع النخلة، وحيدةً في المحراب، يكفلها زكريا ويرعاها رب العالمين.
وإن ابتليت بفقد الأحبة، فتذكر يعقوب حين فقد يوسف دهرًا طويلًا، والمصطفى حين ودع أولاده واحدًا تلو الآخر.
وإن ذُقت مرارة الظلم والغربة، فانظر إلى موسى يفر إلى مدين، خائفًا من طغيان فرعون، بقلبٍ ملؤه الإيمان. وانظر إلى الحبيب المصطفى، جريحًا ومهاجرًا من مكة حبيبته، يفر بدينه، داعيًا الله.
أنت لست المصاب الوحيد، ففي هذه الأرض قلوبٌ تتأوه في صمتٍ، وعيون تسكب الدموع خفية. هناك من يناجي ربه كما فعل يونس: ” لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”
الحياة سلسلة من الاختبارات والابتلاءات، تمتحن بها الأقدار صلابة الإيمان وصدق القلوب، وأكثر الناس ابتلاءً هم الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل من عباد الله المقربين.
حين سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أشد بلاءً؟ أجاب:
“الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، فيُبْتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه.”
فاصبر، واصمد، وارضَ، واعلم أن الله ما ابتلاك إلا لأنه يحبك، يحب أن يسمع تضرعك، أن تناجيه وتقبل عليه وتترك ما شغلك من متاع الدنيا. قال رسول الله “ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة.”
فمها أظلمت أيامك، تذكر أن شمس الرضا تشرق دائمًا لمن يلجأ إلى الله بإيمان صادق وقلبٍ متضرع. واعلم أنك لست المصاب الوحيد، فهناك قلوب تأن ليلًا مثلك.
المزيد من الأخبار
صراع
ماشي
بين طيات الزحام