كتبت: هاجر حسن
هل يولد الإنسان على الفطرة السليمة، أم يولد طفلًا يصارع بين الخير والشر؟
هل يحمل الشر بذوره في قلب الرضيع وهو في رحم أمه، أم أن الشر يُكتسب مع الظروف البيئية والوقت؟
أسئلة تُلقى بظلالها في النفس، لكن يبقى السؤال الأكبر: كيف يمكن للإنسان أن يتحول إلى وحوش بشرية؟
هناك في شمال دمشق، تقع مدينة صيدنايا، حيث شُيد مبنى الرعب عام 1987.
سجن صيدنايا؛ المكان الذي لا يخشاه الإنسان فقط، بل ترتجف منه شياطين الجن.
تحول من مبنى مركز للإدارة العسكرية إلى مصنع للوحشية، مخصص لشتى أنواع العذاب وافتراس الأرواح.
وصفته منظمة العفو الدولية في أحد تقاريرها بعنوان: “المسلخ البشري”
من داخل هذا الجحيم، صرحت المنظمة أن ما بين خمسة آلاف إلى ثلاثة عشر ألف شخص أعدموا في ثلاث سنوات فقط.
إنه المنشار الحاصد للأرواح، حيث الموت أمنية للنجاة من العذاب. السجين هناك لا يموت برصاصة، بل يستهلك صعودًا وهبوطًا على سلم الوحشية حتى يتمنى الموت.
في هذا المكان المظلم، حيث الوحشية تخنق الأنفاس، صرخات تمزق القلوب، وحدقات عيون أصبحت تفر من مكانها تهاب النور. نساء دُمرت وأطفال وُلدوا في ظلام الزنازين، فلم يعرفوا غير لغة الصرخات والبكاء.
سجن صيدنايا؛ ليس مجرد مبنى، إنه مرآة تعكس أعماق ظلمات النفس البشرية. مكان يثبت أن شياطين الإنس أشد خطرًا من شياطين الجن.
إنه الحجة على أن السلطة المطلقة وشهوتها يمكن أن تُحول البشر إلى كائنات تفترس أرواح الآخرين.
كما قال الكاتب روي بومان في كتابه ‘الشر’: “الطاعة العمياء للسلطة يمكن أن تحول البشر إلى أدوات طائشة للدمار.”
فما الذي يجعل البشر قادرين على هذا المستوى من الوحشية؟
ما الذي يحول هيكل الإنسان إلى كائن وحشي فاقد للرحمة؟
أي بيئة تُخرج طفلًا من رحم أمه ليصبح جلادًا يمارس القتل والتعذيب بدمٍ بارد؟
تقدم دراسات علم النفس تفسيرًا لهذه الظاهرة. تجربة ستانفورد الشهيرة كشفت أن السلطة المطلقة يمكن أن تحول الأشخاص العاديون إلى أدوات للعنف. كما أثبت تجربة ميلغرام أن الطاعة العمياء للسلطة قد تدفع الإنسان إلى إيذاء الآخرين دون وعي أو شعور بالذنب.
ولكن في صيدنايا، الأمر يتجاوز ذلك. هناك وحشية مُمنهجة، ليست فقط بفعل الطاعة أو البيئة، بل في تعطش لسحق الأرواح وبناء آثار لا تندمل من الألم.
صرح أحد الناجين قائلًا: ” كنا أرقامًا بلا أسماء، مجرد أجساد تستهلك.”
فأي دوافع قد تجعل الإنسان يتحول إلى وحش دموي يتغذى على تعذيب وزهق الأرواح؟
وبعد كسر أقفال السجن، وبعد أن يهرب الطغاة فرارًا من ظلال جرائمهم، يظل السؤال عالقًا: هل يمكن للشر أن يتوقف عن اتخاذ أشكال جديدة؟
هل يكفي سقوط المباني الوحشية لإنهاء الظلم، أم أن الأرواح ما زالت تُسحق خلف زنزانات أخرى؟
تظل الحقيقة الأكثر رعبًا أن شياطين الإنس تعيش بيننا، وقد ترتدي أقنعة السلطة والطاعة، لتبقى دورة الألم مستمرة في أماكن مختلفة، بأسماء لا حصر لها.
المزيد من الأخبار
هذه لستُ أنا
هل يخشى فقدانك ام لا يقدر قيمتك ؟
من نحن