كتبت: زينب إبراهيم
يحكى أن فتاة كانت تعيش في مجتمع يتسم بجحوده تجاه المرأة وحقوقها، فهي كانت تشعر أنها تحيا في أسر لا يكف عن نكران ذاتها لا أحقية لها في أي شيء تظل حبيسة المنزل تعمل طوال اليوم مع والدتها وينتهي يومها دون جدوى؛ أما عن بذرة الحلم التي زرعتها داخلها تظل تنمو يومًا بعد يوم، فكانت لا تكف عن التفكير فيها مرارًا وتكرارًا تحاول جاهدة اقصاءها عنها؛ لكنها في كل تارة تخفق وتحدث نفسها قائلة: متى ينتهي ذلك الصراع أو يتوقف حلمي على مراودتي في صحوي قبل نومي؟
هاتفتها رفيقتها التي معها في ذات السكن: مرحبًا عزيزتي كيف حالكِ؟ اجابتها ببعض العبوس: الحمدلله دائمًا وأبدًا، وأنتِ كيف تسير أمورك؟
رفيقتها: لا أرى أنكِ بخير، هل هو أمر طموحك الذي يطرأ على خاطرك دائمًا؟
الفتاة بأسى: نعم يا رفيقتي، لا أعلم إلى الآن كيف أخبر والدي بشأن عملي أو حتى استكمال دراستي التي توقفت عنها؛ بسبب تلك العاهات التي يتبعها البشر هنا؟
قهقهت صديقتها على نعتها لعاداتهم بتلك الصفة وقالت: لا تقلقي عما قريب كل شيء سيكون بخير، لكن لا تيأسي من كونك في ذلك الكهف تظلين أسيرة دون خروج أو حتى تحقيق ما تبغينه؛ لأنني أعلم أنكِ قوية في ظل ظروفك التي تمرين بها، فصمت الفتاة لا تعلم بماذا تجيب؟
رفيقتها: أين شردتِ؟ أفاقت الفتاة على صوت والدها الجهوري: ألا زلتِ مستيقظة أيتها الغبية إلى النوم هيا سريعًا.
الفتاة: حسنًا يا أبي، فأغلقت مع رفيقتها التي عهدت إليها أن تهاتفها مرة أخرى عن قريب؛ أما في اليوم التالي لم يحدث شيء يكون آسن بالنسبة لها، فقررت محادثة والدتها لعلها تتخلص من حزنها ولو قليلاً: أمي هل لي بطلب من فضلك؟
والدتها: قولي ما عندك يا حبيبتي، فأردفت الفتاة قائلة: أود النتوء من هنا؛ ولكن استنكرت أمها قولها ذلك، حتى أنها بدأت تصرخ عليها ونعتها بالجنون إن الفتيات في مقرهم لا يحق لهم التفوه بذلك وبجانب كونهن هكذا لا يحق لهم الحلم في أي شيء قبل زفافهم وهذا ما أخبرتها بها والدتها ذهبت إلى غرفتها وهي تأن بألم من شجنها الذي ينتابها كونها حبيسة المنزل ولا تستطيع الخروج أبدًا؛ إلا حين تزوجها وتكون في عصمة رجل يكون هو الأمر الناهي في أمرها، لكن الفتاة أقسمت على تغير تلك الحياة التي تكبلها بقيود لا حصر لها.
ذهبت الى والدها وتحدثت بهدوء عكس الاعصار الذي يعصف بمكنونها: أبي كنت أود الحديث معك، هل أنت متفرغ؟
والدها: بالطبع يا ابنتي، ماذا هناك؟
الفتاة: إنني أريد شيئًا وأرجو ألا تخيب رجائي فيه كنت أتمنى تكملة مسيرتي الدراسية وألج إلى الجامعة مثل رفيقتي التي حدثتك عنها من قبل، فهل تقبل؟
والدها شعر ببعض الغضب، لكنه ضمره وتكلم معها بذات الهدوء: أنتِ تعلمين عاداتنا وتقاليدنا جيدًا لا تشرعي في ذلك الأمر تارة أخرى اذهبي لمساعدة والدتك في شؤون البيت؛ لكنها لم تيأس وقالت: لقد أنهيت كل شيء أبي أرجوك لا تخذلني هذه المرة فقط، لكنه خيب ظنها ككل تارة تفتح موضوع دراستها أو خروجها من المنزل وقال: لا تحدثي صديقتك تلك مجددًا؛ لأنها من تزرع تلك الأفكار برأسك الخاوي وتريد أن تكوني مثلها، ولكنها جاءت تدافع عنها وعن رفيقتها اغلق معها أية مناقشات ذاهبة إلى ملجأها الذي تجد راحتها به؛ هو النوم الذي تهرب به من واقعها المرير كما تسميه، فهناك من يظن أن السبات من باب الكسل فحسب ولا يكون له معنى آخر؛ لكنها تجد فيه أحلامها حقيقة ولا تستطيع الاستغناء عنه كشيء أساسي في يومها، فحاولت محادثة صديقتها وجدت الهاتف مغلق في كل يوم هكذا؛ حتى داهمها الاكتئاب ودون حكايته معها أصبحت لا تأكل أو تشرب دائمًا ما تخلد إلى التهجد الذي يسلبها من معاناتها في كل تارة تحاول جاهدة إقناع عائلتها عن الردع في ذلك القرار، لكن تخفق في ذلك ورأت الدموع سبيلها في عيون الشابة التي تتمنى أن تحظى بأدنى حق من حقوقها في عالم لا يفقه عن المرأة؛ إلا زوجة في منزل ترعاه دون الالتفات إلى آمالها التي تحلم بها، ولكن أين أنت أيها الجحيم المنتظر؟
فهي تبصر زوجها الذي ستحيا معه كابوس لا ينتهي ذكره أمامها دومًا من قبل عائلتها إلى أن شعرت بالمقت تجاهه قبل أن يقدم، حتى أنها أقدمت على الانتحار مرارًا وتكرارًا؛ لكي تنتهي حياتها البائسة التي كتبت عليها من قبل أهلها وليس ربها، فهي تعلم أن ربنا سبحانه وتعالى أمرنا بالتعلم وهذا ليس من المحرمات على حد علمها؛ ولكن عائلتها وضعوا بند التعلم أو أي شيء آخر من ضمن الحياة أو حقوقها في نطاق مختصر على لعنة تخشاها، فكانت المفاجأة قدوم شخصًا يطلب يديها؛ لكنه يقطن في ذات البلدة التي تعيش بها وهي تعلم أن الجميع يفكرون بعقلية واحدة لا يختلفون عن بعضهم البعض، حتى أنها رفضت مقابلته لظنها ذلك وأرغمها والدها على التعرف عليه في المنزل لن تخرج في موعد معه وإن كانت عائلتهم معها: مرحبًا بجحيمي السرمدي، فتعجب الشاب لقولها وأجاب: مرحبًا برفيقة دربي؛ لكنها استنكرت قوله لنعتها بذلك الاسم، فهي تعلم الفتيات مربيات وزوجات فحسب لا يعترفون بأمر غير ذلك ضحكت لقوله: رفيقة دربك لا تقل هكذا يا سي السيد كما تأمرون وتفعلون.. صمت قليلاً وقال: هل أنتِ معقدة؟
أجابت بدهشة: لا أيها المعقد نفسيًا، من فضلك اذهب من هنا ولا تعد مرة أخرى لن أتزوج من شخص يأسرني في أغلاله وذهبت إلى غرفتها وهي تبكي بحرقة لا تريد من يقتلها تدريجيًا، حتى مع تعنيف أسرتها لها وقول والدتها أنها لن تستطيع الخروج؛ إلا بموافقتها على ذلك العريس وأنه مناسب للغاية لها من عائلة مرموقة وستحيا حياة رغيدة تليق بها، لكنها أبت من رؤيتها له مثل والدها ورفضها لجلاد آخر في حياتها إلى أن تعدل رأيهم في عدم عملها أو دراستها ستظل ورائهم إلى أن يوافقون لن تعود إلى الاغتمام وأعسانه التي نازعت للبزوغ من دائرته.
المزيد من الأخبار
وتفاقمت المسافات
وتفاقمت المسافات
وتفاقمت المسافات