كتبت: هاجر حسن
الحياة لا تدوم تحت ظلال الطمأنينة دائمًا، فالعواصف تأتي لتختبر صبرنا وتعلمنا التعلق بالله وحده.
نحن نعيش كزهرة في وسط بستان، تستظل بشجرة كأنها الأم الرؤوم، وتتكئ على غصن بمثابة الأب الحاني، وتحيط بها الأشجار والأزهار كرفقاء يحملون عهود المساندة.
وذات يوم، في وسط البستان، ادّعت فراشة أن الزهرة البريئة قد شوكتها فجرحتها. أقسمت الفراشة بذلك، لكن الزهرة نظرت إلى عيون عائلتها، الشجرة والغصن، فلم يُستطع إثبات براءتها. استنجدت بالزهور من حولها، فصمتوا عاجزين عن مد يد العون.
شعرت الزهرة بالعجز، حتى نبض قلبها بفطرتها، وهمست: “يا رب”. وفي تلك اللحظة، جاءتها إغاثة الرحمن، فأوحى للسماء أن ترسل ماءها، الذي غسل جرح الفراشة، ليكشف أن ما كان يُظن دماءً لم يكن سوى صبغة. عندها ظهر الحق، وأعاد الله للزهرة كبرياءها وبراءتها للعيان.
وهذا المشهد الرمزي ليس بعيدًا عن واقعنا الإنساني، كما أنه يعيدنا إلى واحدة من أعظم المحن التي واجهها التاريخ الإسلامي: حادثة الإفك
كانت حادثة الإفك قصة تزلزل القلوب، وتترك أثرًا عميقًا في النفوس.
كانت عائشة رضي الله عنها، بقلبها النقي الطاهر، أشبه بتلك الزهرة الوحيدة. لم يستطع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، رغم حبه الجارف لها، أن يوقف همسات التشكيك التي تسللت إلى النفوس. كان يعلم براءتها، لكنه لم يملك دليلًا هو وعائلتها يُخرس الألسنة.
الدموع لم تفارق عينيها النقيتين، والنوم هجرها رحمة بحالها. حين يئست من صمت الجميع، قالت: “والله لا أجد لي ولكم إلا كما قال أبو يوسف لبنيه: صبر جميل الله المستعان على ما تصفون.” في تلك اللحظة، بلغ توكلها ذروته، ووضعت حملها بين يدي الله.
ثم أوت إلى فراشها، صامتة، وكأنها خاصمت الكلام، مفوضة أمرها لربها. فجاء الرد من فوق سبع سموات. وحيًا ينزل على النبي بآيات تتلى إلى قيام الساعة: “إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ”.
كلمات تحمل رسالة السماء، شاهدو على براءتها، ومعلنة عدالة الله التي لا يضلها ظالم.
هذا الاختبار القاسي، على الرغم من صغر سنها، أراد الله منه أن يربط على قلبها به وحده، ليعلم البشرية درسًا خالدًا: إن الله هو القريب، المجيب، السميع. وفي كل محنة ومظلمة نواجهها، ندرك أن أملنا في اللجوء إلى الله، وأنه لا يترك عباده في ضيق أو محنة دون أن يفرج عنهم.
كما كانت عائشة والزهرة في محنتها، محاطة بصمت الجميع من حولها، شعرت في لحظات أنها وحيدة في معركتها. لكنها تعلمت معنى التعلق بالله، أن الله لا يترك عباده في وقت الشدة.
درس حادثة الإفك لجميع البشر، ليتعلموا ويدركوا أن لكل مظلمة نصر من الله، ولكل محنة فرج من الله، وأن كل شيء بيد الله، وأن التعلق بالله وحده هو سبيل النجاة.
المزيد من الأخبار
صراع
ماشي
بين طيات الزحام