كتبت ملاك عاطف
“علينا أن نربّي حزننا كما نربّي أولادنا”
إنّنا نحاول يا نزار، نحاول تربيته بكلّ ما لدينا من صبر، وقوّة، واحتمال، وثبات، لكن كلّما استخدمنا معهُ أُسلوبًا جعلَ أصابع رفضه في أُذنيه، واستغشى ضيقًا غليظًا، وأصرّ على الكبت والكتمان، واستكبرَ بطحن خواطرنا استكبارًا!
وإنّا كلّما منحناهُ مساحته من الوقت تمطّى وتمادى في إيلامنا، وكلّما تجاهلناهُ داسَ رقابَ جلادَتنا، وكلّما واجهناه رفع مسدّس السّكتة الممتلئ برصاصات الذّبحات الصدريّة في وجه فرحنا المختلق، وكلّما حاورناهُ صاحَ بنا بكاءً ونحيبًا!
فماذا بوسعنا أن نفعل يا نزار؟ وكيفَ نتصرّفُ مع حزننا المتمرّد بالعصيانِ؟ بل وكيفَ نربّيه تربيةَ أولادنا ونغمرهُ بالرّفق، والحنوّ، والحنان المكسوّ ببعض الشّدة إذا كانت القذائف تضربهُ بوحشيّة؟ كيف نربّيه إذا كانت الحربُ تحرمه من حقّه في الحصول على كسرة هدوءٍ تعينه على أن يخمد؟ كيفَ نربّيه وهو يرتادُ مدارس الخذلان، ويمشي في شوارع الانقسام، ويربو مقتاتًا على جوعنا، وتحتدّ شراستهُ بسكاكين بردِنا؟ باللّه عليك، أهناك متّسعٌ لتربيتِنا بعد كلّ هذا الخراب؟
يبدو أنّ القواعد قد تغيّرت بعدك؛ فأحزاننا أكبرَ منّا بكثير، إنّها غائصةٌ في تعملقٍ سريعٍ مخيفٍ لا نجرؤُ على مقاتلته!
اليوم، أحزاننا هي الّتي تربّينا، وتربّي أولادنا أيضًا يا نزار، وتقسم ظهر البلد، وتعلكُ فؤاده، وتفقؤ عين وجوده، وتبترُ رجل تماسكه، وتورّم جبين مستقبله حدّ ازرقاقه بالمجهول؛ من أجلِ كلّ هؤلاء يا نزار، سأُعيد عليك قولك، “الوطن أن لا يحدث هذا كلّه” ولو لم يحدث كلّ هذا، لاستطعنا تربيةَ الحزنِ في حضن وطنٍ دافئٍ لا نعرف فيه القسوةَ ولا الشّرور، ولا يعيشُ فيه أولادُنا بأرواحٍ جاهزةٍ للتّحليقِ في فضاء الفناء في أيّة لحظة.
وما دمنا بلا وطنٍ؛ فلن نستطيعَ تعاملًا معنا، ولا مع أولادنا، ولا مع أحزاننا.
والسّلام على كلّ حزنٍ تربّى، وعلى كلّ ولدٍ تأدّب، وعلى كلّ وطنٍ في ربوعِ عمارهِ وكينونته تربّع.
المزيد من الأخبار
وحدتي
لعبادة
غذاء الروح الجلي