14 ديسمبر، 2024

ملاذ آمن؛ بعيدًا عن الظلام

Img 20241128 Wa0107

 

كتبت: هاجر حسن 

 

 

كان منزلي أشبه بحديقة سرية تزهر فيها السكينة، كجنة خضراء تتحدى قسوة الأرض. وغرفتي قلعة محصنة من العواصف والغدر. لطالما آمنت أن الأمان يكمن هنا، وأن السعادة تتسلل وسط طقوسي الصغيرة؛ بين رائحة كوب قهوة دافئ وصفحات كتاب أحببته، وبين أحاديث مرحة مع دائرة علاقتي الصغيرة. أما العالم الخارجي، فكان بالنسبة لي غابة تعج بالذئاب، أشواكها النفاق، وظلالها الغدر. 

 

كنت أؤمن أن لا خروج إلا بدرع الحذر،

ولا أمل يرجى من غرباء لا أعرفهم، حتى لا أنكسر. الطيبة عطية تُمنح دون انتظار مقابل، وأن الخير يفعل بصمت. كنت كالعصفور اليقظ، أعد نفسي دائمًا لمواجهة تقلبات القلوب وغدرها. 

 

لكن الأصوات من حولي كانت ترى الأمر من زاوية مختلفة. قالوا إنني مخطئة، وإن العالم الخارجي ليس بتلك القسوة، وإن هناك أبواب ثقة تسحق أن تُطرق. أصروا على أن الحياة الحقيقة تبدأ من خارج حدود غرفتي.

 

ويا لغبائي حين صدقت أصواتهم! خرجت دون أن أرتدي درعي، ظننت أنني سأكتشف عالمًا جديدًا مليئًا بالفرص والدفء. فوجدته لم يتغير به شيء. كان العالم الخارجي كما كنت أراه تمامًا: نهر عكر من النفاق. وجوه مبتسمة تخفي خلفها نظرات قاتلة. أيدٍ تمد بالعطاء، لكنها تطعن بالغدر في ذات اللحظة. رأيت الطيب يُستغل كما يُستنزف عطر الزهر من الغصن، ثم يُترك أرضًا ليجف وحده. 

 

لم تمر سوى أيام قليلة، حتى عدت ركضًا إلى منزلي، احتضنت غرفتي بقلب جريح وروح محترقة. كنت كمن يهرب من عاصفة ممطرة إلى دفء موقده القديم. 

هناك، أدركت أخيرًا أن الملاذ الأمان ليس في الأماكن بل في عالمك السري الذي تخلقه داخل نفسك. الطمأنينة الحقيقية تكمن في الطقوس التي تنسجها الروح، وفي قلوب قريبة تبث الأمان. 

 

 

تعلمت أن الحذر ليس جبنًا، بل قوة. وإن الطيبة ليست ضعفًا، بل اختيارًا. وإن السعادة لا تحتاج ركض نحو الخارج، بل إلى غوص عميق داخل ذواتنا. 

 

غرفتي ليست سجنًا ضيقًا بل ملاذ الأمان في عالمي السري، عالم صغير رسمته بنفسي. هنا صنعت طقوسي، لونتها بالسلام والصدق، ووجدت فيها السعادة مع نفسي وأحبتي، حيث ملاذ آمن؛ بعيدًا عن الظلام.

عن المؤلف