كتبت: زينب إبراهيم
يمر الإنسان في حياته بأطوار مختلفة، ويتأثر بناء الشخصية لديهِ بهذه الأطوار، فيبدأ منذ الصغر مقلدًا لغيره، متأثر بمن حوله، لا يستطيع أن يكون لنفسه شخصية مستقلة بذاتِهِ، ومع مرور الزمن ينتقل إلى مرحلة أخرى يبدأ من خلالها تكوين البصمة الخاصة به، والتي تعكس شخصيته التي عادة ما تكون نتاج طبيعيًا للمحيط المؤثر، سواء كان هذا المحيط عائلة أو أصدقاء.
أو زملاء دراسة أو مدرسين، أو حتى محيط وهميًا في الشبكة العنكبوتية.
ومن هنا نستطيع القول، بأن بناء الشخصية، يبدأ من البيئة التي ينشأ فيها الفرد، فإما أن تساعد على تقويتها وبنائها بناء صحيح، وإما أن تعمل على إضعافها وتوهينها.
أثر الأسرة
في مرحلة البناء الأولى، يكون للأسرة ابتداءًا أكبر تأثير، وخاصة الأبوين، فإما أن يكون المحيط الأسري إيجابيًا، فيساعد الأبوين على بناء وتقوية الشخصية لدى الابن، وذلك من خلال زرع الثقة لديه بنفسه، والعمل على تحفيز الذكاء لديه، وتقويم السلوك، وتهذيب التصرفات وضبطها، وتنقية الفكر من كل ما يهدمه. أما إذا كان المحيط الأسري سلبيًا، إما لإهمال الوالدين، أو لتربية الابن على بعض الأفكار التي تضعف من شخصيته، وتُزَعزِعُ ثقته بنفسه، فبعض الآباءِ يربون أبنائهم على الخوف من أمور موهومة، وربما ليس لها وجود في الحياة أصلا، وربما يتم تهديد الابن أو ضربه، فيكبر الابنِ ضعيفًا مهزوز الشخصية، خائفا حائرًا لم يتشرب فكرًا صحيحًا، ولا بنيت شخصيته بناءً سليمًا.
أمَّا عندما يكبر الإنسان، فيصبح مستقلا بذاته، فإن شخصيته ترتبط – غالبًا، بالهدف الذي يضعه في حياتهِ، فإما أن يضَعَ لنفسه هدفاً بسيطاً، يرتبطُ بمشاغلِ الحياةِ وهمومِها، فينعَكِسُ ذلك سلباً على شخصيته، وإمّا أن يكون هدفاً عظيماً، وهذا الهدفُ سيغيرُ من طبيعة شخصيتهِ لكي يستطيعَ أن يصِلَ إليهِ، فلا يُمكِنُ لضعيفِ الشخصيةِ أن يصلَ إلى المراتبِ العاليةِ والغاياتِ الساميةِ، وذلك لضعفِ همتهِ، وخوارِ عزيمتهِ، وتزَعزُعِ ثقتهِ بنفسهِ، ولعلهٌ حتى لا يستطيعُ أن يضَعَ لنفسِهِ هدفاً أصلاً !
قوة الشخصية
من أهم العوامل التي تُظهِرُ قوةَ الشخصية، طبيعةُ الهدفِ الذي يضعهُ كل شخص لنفسهِ، والمسؤولياتِ التي يتحملها في سبيلِ ذلكَ، والسماتِ التي يجبُ أن يتسمَ بِها من يحملُ على عاتقهِ مسؤوليةَ الوصولِ إلى الغاياتِ الساميةِ، ومما يساعدُ على تقويةِ الشخصيةِ، المثابرةُ والإصرارُ على الوصولِ إلى الهدفِ، وتركُ التكاسلِ والتواكلِ على الغيرِ، فالفَرقُ ظاهرٌ والاختلاف شاسعٌ بين الشخصيةِ التي تجتهدُ في السعيِ لتحقيقِ غايتِها، والشخصيةِ التي تعتمدُ على من يوصلها إلى الغايةِ المنشودةِ من يدها تساقُ إليها سوقاً.
تكون الشخصية قويةً، بالإرادةِ الحرةِ التي ينطلقُ فيها صاحبها من ذاتِهِ، وتَنبعُ من نفسِهِ، معبرةً عن طموحِهِ في الحياة، وذلك بالتحررِ من القوالبِ الجامدةِ التي تحدِّدُ إرادتَهُ وتعيقُ مِن حركتهِ، وتَضَعُ العراقيلَ أمامَ تطورهِ، وهذا العاملُ يرتبط كما ذكرنا في البدايةِ، بالمجتمع الذي ينشأ فيه الفرد، فالفكرُ المتحجرُ والتَّقَوْلُبُ في قالبٍ واحدٍ، يكون – غالباً – نتاجاً لمجتمعٍ ترسَّخَ فيه هذا الإنغلاقُ الفكري، والعكس بالعكسِ في مجتمعٍ منفتحٍ، يستوعبُ جميعَ الأفكارِ، ويفتحُ البابَ واسعاً أمامَ التحررِ والإبداعِ، وينبغي أن نعلمَ بأنَّ الحكمَ على الشخصيةِ بالقوةِ أو الضعفِ يختلفُ من مجتمعٍ لآخر، باختلافِ طبيعةِ المجتمعِ وتركيبتهِ، ولكن مع ذلك نستطيع أن نحدِّدَ سماتاً مشتركةً، تحدِّدُ معالمَ الشخصيةِ القويةِ التي نحتاجُ لبنائِها في هذا المجتمعِ.
إذاً ومن خلالِ ما سبقَ نستطيعُ تحديدَ الأمورِ التي تساعدُ على بناءِ شخصيةٍ قويةٍ، من خلال النقاطِ التاليةِ :
قوة العلاقةِ مع الله سبحانه تعالى، والارتباطُ بالدينِ، فهذا يزيد الثقة بالنفسِ، ويقوي شخصيةَ الإنسانِ، لأن ذلك يجعله مرتبطاً بما هو أعلى وأسمى من كل البشر، فتهونُ عليهِ الكثيرُ من العقباتِ والمعوقاتِ، وتصغرُ في عينيهِ أكبرُ المشاكلِ، ويستسهلُ كثيراً من الصعابِ.
وجودُ المبادئِ الراسخةِ لدى الشخصِ، والتَّمسُّكُ بهذه المبادئِ، وعدم الكيل بمكيالين في الحياة، لأن ذلك يُظهِرُ الإنسان بمظهرِ الضعيفِ المترددِ، الذي يمكن أن يغير كلامَهُ بين عشيةِ وضُحاها، أما المتمسِّكُ بمبادئِهِ فيكون قوياً راسخاً، يفرضُ احترامهُ على الآخرين .
أن يكونَ الإنسان واثقاً بنفسهِ، واثقاً بقدراتهِ وإمكانياته ومهاراته، متميزاً بها عن غيرهِ، فلِكُلِّ إنسانٍ مهارةٌ يتميزُ بها عن الآخرين، وقد يشترك فيها مع البعض، فيسعى أن يكون الأفضل.
وجودُ الهدفِ في الحياة، وطبيعةُ هذا الهدف – كما ذكرنا آنفاً – هي التي تحدِّدُ معالِمَ الشخصيةِ، وحياةٌ بلا هدف، تُنتِجُ إنساناً بلا شخصية، فلو نظرت إلى من يعيش حياتهُ بلا هدف، ستجده إنساناً سلبياً، وعنصراً خاملاً في المجتمع، وتجد فكره تابعاً لغيرهِ غالباً، فليس له فكرٌ مستقلٌ بذاتهِ، وليس له رأيٌ مختلف، وإنما آراءه غالباً هي تبع لغيره، أوخاضعةٌ للتيارِ العام في المجتمع.
الإرتباطُ بهذا الهدفِ الأسمى، وتركُ الإنشغالِ بسفاسفِ الأمورِ وثانوياتِ الحياةِ، فمنِ ارتبَطَ بهدفهِ الأهم وغايتِهِ الأسمى، تعالى وارتفعَ بشخصيتهِ، ومن انشغلَ بتفاصيلِ الحياةِ وغَرِقَ في همومها، ضَعُفت شخصيته وانخفض بمستواه، وتَدَنَّى بفكرهِ، فأمور الحياة اليومية، هي مجرد وسيلةٍ لهدفٍ أكبر، وليست هي الغاية، إلا لمن لم يفهم معنى الحياة الحقيقي!
التحلي بالهمةِ العاليةِ والإصرارِ على الوصول إلى هذا الهدف، لأن ذلك يؤثَّرُ إيجابياً على شخصيةِ الإنسانِ، ويجعله متميزاً في حياتهِ، فصاحبُ الهمةِ يختلفُ عن غيرهِ، فلا تراه جالساً فارغاً، ولا تراه يضيعُ وقته بأمورٍ لا تفيد، بل يعمل ويسعى، ويكون له إنجازٌ حقيقي في كل يومٍ.
تحملُ المسؤوليةِ، والتي يتهرب منها دائماً ضِعافُ الشخصيةِ، فيرون أنها مثقلةٌ لكاهلهم، لا يستطيعونَ القيامَ بأعبائها، فالسلبيةُ أمرٌ طبيعي في ضعيفِ الشخصية، أما الشخصية القوية فتستطيع أن تتحمل مسؤولياتها، وتقوم بأعبائها، فيكون رعايتها للأمر مفيداً ايجابياً في كلِّ حال.
إظهار قوة الشخصية
لكي تظهر قوة الشخصية لدى الإنسان لا بدّ أن يتصف بصفات محددة، تظهر للناس أنه قويٌ غير مهتزٍ، ولا ضعيفٍ، وهذا يُمكِنُ إظهاره من خلال:
الهدوءُ والرويةُ في التعاملِ معَ الأمورِ، والإتزانُ النفسي، فهو يعطي الإنطباع بالثقةِ وقوةِ الشخصيةِ، بعكسِ العجلةِ والتسرعِ الذي يعكس ضعفاً وتخبطاً لدى الشخص ، فصاحبُ الشخصيةِ القويةِ، يعرفُ كيف يتروى في اتخاذِ القرار، وخاصةً في الأمورِ التي تحتاج للدراسةِ والتأمل والنظرِ فيها، ولا ينفعلُ عند أيِّ موقفٍ من المواقف.
التفكيرُ جيداً في الكلامِ قبلَ إطلاقهِ، والتأملُ في انعاكاساتِ وآثارِ هذا الكلامِ قبل قوله، فالفطِنُ من خاطبَ الناسَ على قدرِ عقولهِم، وعلمِ معَ من يتحدَّث وبِما يتحدُّث.
القدرةُ على تحملِ المواقف الصعبةِ التي تحتاجُ للصبرِ والتحمل، فضعفُ التحملِ يُضْعِفُ الشخصية، ويُظهرُ الإنسان ضعيفاً خائِرَ العزيمةِ، وأما قوي الشخصية فيستطيع الصبرَ على الصعابِ وتحملها.
عدم التأثرِ بالعواطفِ سريعاً وبشكلٍ مبالغٍ فيهِ، فالعاطفة – أحياناً – تُضعِفُ شخصيةَ الإنسانِ، وتأثر سلباً في اتخاذهِ للقرارات، سواءً على الصعيدِ الشخصي أو ما يتعلق بالعلاقةِ مع الآخرين، وصحيح بأن العاطفةَ أمرٌ جميلٌ وفطري جُبِلَ عليهِ الإنسان، لكنَّ المبالغةَ فيها تُظهِرَ الشخصَ بمظهرِ الضَّعيف.
عدمُ الخضوعِ لإيقاعِ الحياة وروتينِ اليوم، الذي يجعلُ الإنسانَ مجبولاً على أمورٍ مكررة، فيَحُدُّ ذلكَ مِن انطلاقِ عقلهِ وابداعهِ، فيُصبِحُ رتيباً مملاً بطبعهِ، لا يحبُّ التغيير، ولا يقبَلُ التجديد، وإنما ينبغي للشخص أن يتحرَّرُ من الروتينِ اليومي، ويحاولُ أن يجدِّدَ حياتهُ بشكلٍ دائمٍ، ويغيِّرُ مِن عاداتهِ بشكلٍ مستمر، لأن ذلك يساعد على تفتُّحِ عقلهِ، وانطلاقِ فكرهِ .
الإهتمام بالمظهرِ الخارجي، فهو يعطي الإنطباعَ المبدأي عن كل شخصٍ لدى الآخرينَ، والمظهرُ الجيِّد يزيدُ من الثقةِ بالنفس، وهذهِ النقطة وضعتُها في النهايةِ لأنها ليست بأهميةِ ما سبقها، ولكن بعض الناس يحكم على الشخصِ ابتداءً من مظهره، وقد لا يغني المظهر في بعضِ الحالات، لكنَّهُ يساعدُ في ظهورِ شخصيةٍ قويةٍ، ويكونُ مكملاً لما ذكرنا من الصفاتِ والسماتِ .
وفي الختام؛ فإن بناءَ الشخصية من الأمورِ التي يجِبُ دراستها وإعداد الدوراتِ المتخصِّصَةِ لها، وعقد الندوات وإقامة المحاضرات، بل وإنشاء معاهد متخصِّصةٍ، لأنها ترتبط ببناء جيل كامل تقع عليه مسؤولية مواكبة العصر وتطوره، وتؤثر بلا شك في بنية المجتمع وقوته.
المزيد من الأخبار
المبدعة مروه السعدني ومؤتمر ” شباب تستطيع “
الاعلامية مروه السعدني ومؤتمراتها الفريدة من نوعها
الحديقة الرابعة: حديقة الرحمة