14 ديسمبر، 2024

الذنوب جروح ونيران

Img 20241104 Wa0136

 

كتبت: هاجر حسن 

 

“إِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ ذَنْبًا نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَصِيرَ قَلْبُهُ كَالشَّاةِ الرَّيْدَاءِ.”

 

الذنب جرح عميق في القلب؛ خدش يتراكم مع كل معصية حتى يصبح القلب مثقلًا، مترقعًا كالثوب البالي. 

الذنب أيضًا نار تحرق الروح؛ تزداد شدتها كلما عظُم الذنب، فتطفئ نورها حتى تظلم وتخبو. 

 

لقد أهلك الذنب أممًا بأكملها. أخرج إبليس من ملكوت السماء، وأسقط آدم من الجنة إلى الأرض. أغرق فرعون وجنوده في اليم، وخسف بقارون وداره، وأهلك قوم ثمود بالصيحة، وسلط الريح على عاد فأبادهم. إن كل تلك النهايات كانت بذنب لم يُتدارك بالتوبة. 

 

الذنب يتسلل خفيًا، مثل تسوس الأسنان الذي يبدأ ببكتريا صغيرة. لا يُردع، فتتمادى حتى تفتك بالضرس كله. هكذا يفعل الذنب بالقلب؛ يبدأ صغيرًا، ثم يتوغل إن لم يعالج بالتوبة والطاعات، حتى يفسد الروح ويُصعفها. 

 

الذنوب حين تكثر، تميت الضمير وتخرس صوته، فيعتاد الإنسان الصمت عن الحق، ويصبح أسيرًا للمعاصي. “كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ”. الذنوب تتلف كالأغلال، تثقل الروح وتُحيل الطاعات إلى أعباء ثقيلة. يُسلب من المرء شعوره ويتحول إلى دميةٍ تُحركها الشهوات. 

 

الذنوب جروح ونيران؛ ليس الذنب مجرد فعلٍ تهاونت فيه؛ بل خدشٌ يزداد عمقًا، ونارٌ تلتهم ما تبقى من النور. طعمه قد يبدو لذيذًا، لكنه سمّ يسري ببطء، يضيع به المرء نور دنياه وآخرته. 

 

محاربة الذنب واجبه. ليس كافيًا أن البكاء والندم، بل أن نحمل سيف الطاعات ونجابه قناع المعاصي ونهزمه. الذنب ليس عابرًا ؛ إنه فيروس يتفشى في الروح ليحرقها. 

إنه باب البلاء الذي يحجب أبواب الرزق ويقيد النجاح. قال العباس: “ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.”  

 

إذا أذنبت، أسرع إلى الصلاة، وارفع يديك بالدعاء. واطلب من الله العفو، والقدرة على الثبات وتجنب الفتن. كن كالماء العذب؛ كلما أرادت نار الذنب أن تلتهمك أطفأتها. كن كالدرع؛ كلما حاول الذنب أن يجرحك، تصديت له. 

سارع بالتوبة ولا تيأس من رحمة الله، فقد قال سبحانه وتعالى: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”.

عن المؤلف