كتبت ملاك عاطف
استَقْبَلَنا أُكتوبر بغَيْثِ خريفِهِ هذهِ المَرّة، وبادَلْتُهُ الاستِقبالَ الحارَّ بِفَتْحِ صفحةٍ جديدة، صفحةٍ جديدةٍ معَ الجَّوِ الشِتوِّيِ، أو معَ نفسي، أو معَ واقعِنا القاسي، أو معَ القَهْرِ الفِلَسْطينِّيِ الَّذي نُداريهِ بابتِسامِنا ورِضانا رُبَّما، لا أدري.
كُنتُ أُريدُ أن أتَنَّفَسَ الّتَجْديد، لعَّلَ الفألَ ينْزِلُ في دِيارِ أّيامِنا؛ فَيجليَ سوادَها، لَعَّلَ نسماتِ الفَرَجِ تَهُبُّ علَيْنا مِن شَبابيكِ أَمَلِنا المفتوحةِ على مِصراعَيْها، لَعَّلَ الّتَناسي يُصاحِبُنا؛ فنَسْتَسْقي لِعقولِنا الّطمأنينة، ونَغْسِلُ بالأمانِ أدرانَ أرواحِنا المُتآكِلة.
ومَرَّت ساعاتُ اليَوْمِ خَفيفةً، وجاءَتْ فِقرةُ تناوُلِ مَشروبٍ ساخِنٍ في عالَمي الخاصّ، أتعلمونَ كيفَ حُمِلَتْ إلَيّ؟؟
حُمِلَتْ على سَفينةِ تَضارُبِ المشاعر، ذاتِ الألواحِ الكَثيرةِ المُتَبايِنة، ألواحِ فرحٍ، وتَوَتُّرٍ، وخَوْفٍ، وتَرَقُّب!
أكانَ علَيَّ أن أُغْرِقَ القَدَحَ في قاعِ صرخاتِنا وتكبيراتِ فرحِنا المؤقّتِ بفعلِ إيرانَ أم أتجَرَّعَهُ بارِدًا مُرًّا؟ أكانَ علَيَّ أن أعيشَ لحظةَ العِناقَ الجَماعِيَّ الَّذي منحَتْهُ سمانا لِأعْيُنِنا؟ أم أُنْصِتَ لِفَوْضى حواسّي؟ أم أهْرَبَ مِنْ حَتْمِيّةِ الوَجَعِ القادم؟!
أسئِلةٌ كثيرةٌ تتأرجَحُ في هواءِ الّلا جواب، وتسبَحُ في أفلاكِ التَّعَجُّبِ والاسْتِغْراب، وفي خِضَمِّ حركَتِها المُضطَرِبةِ حقيقةٌ وحيدة، حقيقةٌ ثابِتةٌ لا تأبهُ بِتيهِ ما حولَها، ألا وهِيَ تعريفُ الفِلَسطينِيّ.
تراكيبُ القُوّةِ والصُّمودِ تطرأُ على بالِكُم أفواجًا أليسَ كذلك؟
أّما أنا، فأُعَرِّفُ الفلسطيني بِأَنَّهُ: كتلةُ مشاعر مِليونِيّة، تمتَزِجُ وتتداخَلُ وتمتَلِئُ بالفوضى، لَكِنَّها تعرِفُ متى وكيفَ تقوى وتَحِنُّ وتشتاقُ وتصْبِرُ، والأهَمُّ مِن هذا وذاك أنّها تعرِفُ كيفَ تتجَذّرُ في ثرا البِلادِ، وتتأّبَطُ ذِراعَ الزَّيتونِ، وتغرقُ في دماها، وتبقى عَصِيّةِ على المَوْتِ والخُضوع.
المزيد من الأخبار
محرقة
نار بلا وقود
الحب والتضحية