كتبت: هاجر حسن
في ظلام المطبعة ليلًا، حيث تستعد الأوراق للذهاب بحروفها إلى الأعين التي ستقرأها في الصباح، يحدث أن تتسامر ألة الطباعة مع الأقلام والأوراق، يناقشون ما كُتب وما سينشر.
وسط تلك الأحاديث، سادت الصمت فجأة عندما بكت ورقة، وانهمرت دموعها على حوافها البيضاء. سألها الحبر بدهشة: “لماذا تبكين أيتها الورقة؟”
أجابت الطباعة بأسى عميق: “لقد خانها القلم.”
ارتبك الحبر وسأل مُتعجبًا: “كيف يخون القلم؟أليس القلم صديق الورقة، وهو صوت الحقيقة الذي تُسطره؟”
قالت الطباعة بصوت مليء بالحكمة والأسى: “يخون القلم الورقة حين يكتب الأكاذيب ويشوه الحقائق، كما يسقط الحبر الأسود ليلوث نقاها. يخون القلم أيضًا حين ينحدر باللغة، فيحطم سموّها، ويجمع كلمات هابطة تُفسد الفكر وتدمر الرقي المعرفي. إنه خيانة للورقة عندما يُستخدم القلم لتصفية الحسابات الشخصية، ولإرضاء الأهواء على حساب الحقيقة والعدالة.
تنهد الحبر وقال: “وآسفاه على الورقة التي تحمل كل هذا الظلم.”
أردفت الطباعة بحكمة: “القلم عهد، ليس مجرد أداة بين يدي الكاتب، بل هو مسؤولية. على الكاتب أن يكتب، ليكشف الحقائق، وينتصر للمظلوم، ويبحر بخيال القارئ في بحار نقية وصافية لا تشوبها كلمات هابطة أو حروف مضللة. كل كلمة يكتبها القلم تُضاف إلى ميزان الكاتب، وسيحاسب عليها سواء كانت في الخير أم الشر.”
ساد الصمت في أرجاء المطبعة، حتى قال الحبر بصوت متردد: “ليتني كنت شيئًا آخر غير هذا السائل الذي قد يستخدمه القلم لخداع الناس.”
ضحكت الأقلام والأوراق برفق، وقالت الطباعة: ” كل شيء في هذه الحياة يحمل وجهين، الخير والشر. القلم كذلك، ذو حدين، يمكنه أن يبني العقول أو يهدمها. القلم هو أداة بيد الكاتب، وعليه أن يختار كيف يستخدمه.”
ثم أضافت الطباعة بحزم: “ليس كل الأقلام خائنة. فالقلم النبيل هو صوت الحق، بوصلة المجتمع، ونور الفكر. الكلمات أمانة في عنق الكاتب، وكل كلمة يخطها بالقلم هي عهد، ومرآة لضميره، ومسؤولية عليه أمام الله والناس.
المزيد من الأخبار
صفق لنفسك بنفسك
عيون لامعة(١)
غريب في غرفتي ٢