كتبت الشيماء أحمد عبد اللاه
في كوخ يقع على قمّة عاليةٍ من القمم المعلّقة بين السّماء والأرض، كان يعيش رجل حكيم يدعى إبراهيم، إنقطع إبراهيم عن النّاس والمدينة ليمضي وقته في الصّلاة والتّأمّل وإسداء النصائح لمحتاجيها، مستعينًا بالخبرة التي أكسبته إيّاها الحياة. ذات مرّة، وفي أثناء توجهه إلى الغابة المجاورة لكوخه، حيث كان يمجّد الخالق ويتأمّل الطّبيعة، شاهد إبراهيم رجلًا حسن المظهر، يبدو الفرح على وجهه، فسأله : ما سرُّ بهجتك البادية على محيّاك؟
رد الرجل : سرُّ بهجتي أنّ الله له الحمد دائمًا، قد وفّقني في كلِّ ما قمت به من أعمالٍ تجاريّة ومشاريع، فأصبحت غنيّاً جدًّا
قال إبراهيم : بوركت يا رجل، فأنت تشكر ربّك على عطاياه، ولا تنسَ فضله عليك، لذا تراه يضاعف لك نعمه وبركاته، تابع إبراهيم سيره، فشاهد رجلًا فقيرًا، رثّ الثِّياب، طويل الشّعر، فسأله : ما سرّ فقرك وسوء حالك؟ قال الرجل الفقير : سرّ فقري أنّ الله لم ينعم عليَّ بأيِّ شيء، لم أعرف يومًا طعم السّعادة، أو الرّاحة، أو الغنى.
قال إبراهيم : تضرّع إلى الله يا رجل، فهو واهب كلِّ نعمةٍ وبركة.
رد الرجل الفقير : ولماذا أفعل، وأنا لم أنل شيئًا من تلك النّعم والبركات حتّى الآن؟
قال إبراهيم : صلِّ واشكر ربّك على ما وهبك إيّاه، فرد قائلًا: أشكر ربّي على ما وهبني إيّاه؟ ما هو الشّيء الّذي أشكره عليه؟ ثيابي البالية، أم حياتي المبكية؟ اعلم أنّي لا أشكر قبل أن أنال
استأنف إبراهيم سيره، وهو يفكّر في هذين الرّجلين اللّذين صادفهما : الرّجل الغنيّ الذي يعتبر الله سببًا لغناه، وسعادته ونجاحه فيحمده، والرّجل الفقير الذي يجعل ربّه مسؤولاً عن فقره، وتعاسته، فلا يحمده على الإطلاق، في هذا الوقت، قرّر الرّجل الفقير أن يهبط إلى المدينة، علّه يتمكّن من تحسين وضعه المزري.
في المدينة كانت دهشة الرّجل الفقير عند رؤيته واجهات المحلاّت وأضواءها كبيرة، فازدادت نقمته على فقره. وفيما هو يمشي، سمع صوتًا يقول : من مال الله أعطوني يعطكم الله، التفت الرّجل الفقير ليرى مصدر الصّوت.
فإذا به يجد رجلًا أعمى يحمل قبّعة فيها قليل من المال الّذي تبرّع له به بعض من أشفق عليه من المارّة، فتابع طريقه متذكّرًا الهدف الّذي من أجله نزل إلى المدينة.
فجأةً وجد نفسه أمام رجل جالس على كرسيٍّ نقّال، يصرخ : ارحموني يرحمكم الله، فلتساعدوني.
فركض الرّجل الفقير بسرعة؛ حتّى أوقفه التّعب أمام حديقةٍ عامّةٍ، فدخلها وجلس على أحد المقاعد وعاد إلى نفسه، وراح يفكّر في الحياة وقيمتها إذا عاشها وهو أعمى أو كسيح، فوجد أنّه ليس فقيرًا كما كان يظنُّ، بل هو غنيٌّ بعينيه ويديه ورجليه، ولسانه: أي بصحّته وسلامة جسده، وهاتان لا ثمن لهما.
في تلك اللّحظة، توجّه الرّجل الفقير إلى ربّه شاكرًا إيّاه على نعمة الصّحّة، وقرّر أن يتوب عمّا قاله في السّابق .
المزيد من الأخبار
صفق لنفسك بنفسك
عيون لامعة(١)
غريب في غرفتي ٢