كتبت: هاجر حسن
هناك، حيث تقع جزيرة صغيرة تقع في قلب البحر الأحمر، تُدعى “جزيرة الحوريات”.
لم يكن يعرف عنها أحدٌ من البشر، فقد كانت الجزيرة محاطة بمياه صافية تشبه قطرات نزلت من سماء سحرية، تعكس ألوان الشمس والنجوم.
كانت الجزيرة، رغم صغرها، كانت قطعة من الجمال النادر. زهور نادرة ملونة تملأ الأرض، زهورًا لا مثيل لها في أي بقعة من بقاع الأرض. ولم تسكنها سوى الحوريات، مخلوقات نصفها إنسان ونصفها سمكة، تزين قشورهن بألوان طبيعية تخطف الأنظار، وكأنهن من عالم آخر، ليس من الأرض، بل من كوكبٍ بعيد كزهرة أو عطارد.
عاشت الحوريات في الجزيرة تحت حكم حاكمة حكيمة تُدعي “جوردان”، التي بلغت من العمر مائتي عام. وكان قانون الجزيرة واضحًا وصارمًا: لا خروج من حدود الجزيرة، ولا اقتراب من البشر.” هذا القانون حمى الحوريات لسنين كثيرة من الخطر، بعدما كانوا من قبل يموتون سجنًا أو قتلى.
بسن الحوريات، كانت هناك حورية تُدعى “سول”، تُميزها قشور ذيلها الذهبية وعيناها البنفسجيتان اللامعتان. سول كانت مختلفة عن باقي الحوريات، بفضولها وشغفها لاستكشاف العالم الخارجي. رأت الجزيرة رغم جمالها، كسجن صغير يحد من طموحها وأحلامها الكبيرة.
وفي أحد الصباحات الباكرة، قررت سول أن تخالف قانون الجزيرة. في فجر ذلك اليوم، سبحت بعيدًا تاركة خلفها المياه التي تعرفها. رغبت في استكشاف العالم الآخر، ورؤية البشر الذين سمعت عنهم في الحكايات.
سبحت سول لعدة أميال حتى رأت في الأفق سفينة تبحر في عرض البحر. اختبأت في عمق المياه، لكن الفضول دفعها للاقتراب. أخرجت زهرة رافليسيا النادرة من جيبها وابتلعتها. فتحولت إلى فراشة بأجنحة شفافة، لتتمكن من الاقتراب دون أن يلاحظها البشر.
عندما صعدت فوق سطح السفينة البشرية، رأت مشاهد لم تكن تتوقعها. مجموعة من البشر كانوا يصطادون أسماك زينة صغيرة ويحبسونها وسط ضحكات هستيرية. آخرون يرمون النفايات في البحر دون اكتراث، ولوثوا المياه الصافية. وسمعت البعض يتحدث عن حروب ومجاعات في بلاد بعيدة، عن أطفال مشردين وجياع في قارة آسيا وأفريقيا.
فزعت سول مما رأته. كيف يمكن أن يكون هؤلاء هم البشر؟ كيف يمكن أن تعيش هذه المخلوقات بهذه القسوة واللامبالاة؟ أرادت الهروب، ولكن قبل أن تتمكن من ذلك، لاحظها أحد الفتية التي كان يقف بالقرب من حافة السفينة. صرخ: “انظروا! إنها فراشة نادرة!،” ثم أسرع وألقى عليها شبكة صغيرة وحبسها في برطمان. ظل يرج البرطمان بعنف، وهو ينظر لها بفضول، “ما هذا المخلوق العجيب؟” همس لنفسه. لكنه لم يكن يعلم أنها لم تكن فراشة عادية، بل حورية بحر هاربة من عالمها.
في تلك اللحظة. شعرت سول بالعجز والخوف. تذكرت تحذيرات جوردان ونداءات والدتها. أغمضت عينيها، وبدأت الدموع تنهمر كقطرات ندى لامعة، ملأت البرطمان حتى فتح غطائه. بفرح شديد تناولت سول بعضًا من الأعشاب التي تحملها، فتحولت مرة أخرى إلى حورية، وقفزت إلى البحر وغاصت في الأعماق.
على متن السفينة ظل الفتى يصرخ لصديقه: ” لقد كانت فراشة نادرة بأجنحة شفافة، لقد رأيتها،” لكن صديقه ضحك وقال: “فراشات البحر؟ لا توجد مثل هذه الأشياء، إنها من نسيج خيالك فقط. لقد أثر دوران البحر عليك.”
هربت سول إلى جزيرتها دون أن تتوقف للحظة. عندما عادت، شعرت بالأمان يحاوطها. دخلت منزلها واستلقت على فراشها، وهي تفكر في العالم الذي رأته. لقد كان البشر مختلفين عمل تخيلت. ولأول مرة، شعرت بالامتنان لعزلتها في جزيرتها الخلابة.
عاهدت سول نفسها على ألا تخالف القوانين مرة أخرى، وتعلمت درسًا قاسيًا. أحيانًا، الفضول قد يقودنا إلى أماكن لا نرغب في الوصول إليها. وفهمت أن حكمة قد تكون أكبر مما تستوعبه عقولنا.
المزيد من الأخبار
صرخات أصحاب الأخدود تعود في خيام النازحين
حكاية ارض
حكاية ارض