15 أكتوبر، 2024

الكاظمين الغيظ

Img 20240920 Wa0175

كتبت:زينب إبراهيم 

 

كَظْم الغَيْظ خلق عظيم من مكارم الأخلاق، ويؤدي لثمرة عظيمة في حياة الناس والتحامهم وتآلفهم وانخراطهم في أعمالهم وبين بعضهم في مجتمعاتهم وأسرهم، بشكل إيجابي ودون كثير مشكلات أو معوقات.

 

فقد قال الله تعالى في معرض بيان صفات المتقين: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134}.

 

قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره: وكظم الغيظ رده في الجوف يقال كظم غيظه أي سكت عليه ولم يظهره مع قدرته على إيقاعه بعدوه… والغيظ أصل الغضب.. انتهى.

 

وقال ابن كثير رحمه الله: أي إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه… فتبين من هذا أن الكاظمين الغيظ هم الذين لا يعملون غضبهم في الناس.

 

بل يكفون عنهم شرهم ويحتسبون الأجر عند الله تعالى، وقد ورد في فضل كظيم الغيظ أيضاً ما رواه أحمد وابن ماجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من جرعةٍ أعظم أجراً عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله. والحديث صححه الألباني وشعيب الأرناؤوط.

 

وروى أبو داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء. والحديث حسنه الألباني وشعيب الأرناؤوط.

 

كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء “.

عن ابن عمر – رَضي الله عنهما -: أن رجلا جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله! أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله ﷺ: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كُربةً، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد – يعني مسجد المدينة – شهرًا، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه – ولو شاء أن يمضيه أمضاه – ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يتهيأَ لهُ؛ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام».

 

عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من جُرعَةٍ أعظم أجرًا عند الله من جرعةِ غيظ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله».

 

عن أنس رضي الله عنه أنه قال: إن النبي ﷺ مَرَّ بقومٍ يصطرعون؛ فقال: «ما هذا؟» قالوا: فلانٌ ما يُصارع أحدًا إلا صرعه، قال: «أفلا أدلكم على من هو أشد منه؟ رجلٌ كلمه رجلٌ فكظم غيظه فغلبه وغلبَ شيطانه وغلب شيطان صاحِبِهِ».

 

من فضائل كظم الغيظة:

إن لكظم الغيظ فضائل عظيمة؛ والتي نطقت بها هذه الأدلة، منها:

 

كلنا نواجه هذا اللون من الاستفزاز الذي هو اختبار لقدرة الإنسان على الانضباط، وعدم مجاراة الآخر في ميدانه، وهناك عشرة أسباب ينتج عنها أو عن واحد منها ضبط النفس:

 

أولاً: الرحمة بالمخطئ

الشفقة عليه، واللين معه والرفق به.فلا بد من تربية النفس على الرضا، والصبر، واللين، والمسامحة؛ هي قضية أساسية، والإنسان يتحلّم حتى يصبح حليمًا. قال سبحانه وتعالى لنبيه محمد ﷺ:

 

سورة آل عمران ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ١٥٩﴾ [آل عمران:159]. وفي هذه الآية فائدة عظيمة وهي: أن الناس يجتمعون على الرفق واللين، ولا يجتمعون على الشدة والعنف؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال:

سورة آل عمران ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ١٥﴾ [آل عمران:15]. فلا يمكن أن يجتمع الناس إلا على أساس الرحمة والرفق.

 

ثانيًا: سعة الصدر وحسن الثقة

من الأسباب التي تدفع أو تهدئ الغضب؛ مما يحمل الإنسان على العفو

 

ولهذا قال بعض الحكماء: «أحسنُ المكارمِ؛ عَفْوُ الْمُقْتَدِرِ وَجُودُ الْمُفْتَقِرِ»، فإذا قدر الإنسان على أن ينتقم من خصمه؛ غفر له وسامحه،

سورة الشورى ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٤٢﴾ [الشورى:42].

وقال ﷺ لقريش: «مَا تَرَوْنَ أَنِّى صَانِعٌ بِكُمْ؟ » قَالُوا: خَيْرًا! أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ».

وقال يوسف لإخوته بعد ما أصبحوا في ملكه وتحت سلطانه: سورة يوسف ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ٩٢﴾ [يوسف:92].

 

الأخلاق النبيلة التي تربى عليها السلف رضي الله عنهم:-

 

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «من اتقى الله لم يشفِ غيظهُ، ومن خاف الله لم يفعل ما يُريدُ، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون».

 

عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر ابن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولاً أو شباناً. فقال عيينة لابن أخيه: يا لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه قال: سأستأذن لك عليه، فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر. فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب! فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل! فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به. فقال له الحر: يا أمير المؤمنين!

 

إن الله تعالى قال لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف 199]. وإن هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله.

 

جاء غلام لأبي ذر رضي الله عنه وقد كسر رجل شاةٍ له فقال له: من كسر رِجل هذه؟ قال: أنا فعلتُهُ عمدًا لأغيظك فتضربني فتأثم. فقال: لأغيظنَّ من حرَّضك على غيظي، فأعتقه.

 

شتم رجلٌ عديَّ بن حاتم وهو ساكتٌ، فلما فرغ من مقالته قال: إن كان بقي عندك شيءٌ فقل قبل أن يأتي شباب الحي، فإنهم إن سمعوك تقول هذا لسيدهم لم يرضوا.

 

قال محمد بن كعب : ثلاثٌ من كُنَّ فيه استكمل الإيمان بالله: إذا رضي لم يُدخله رضاه في الباطل، وإذا غضب لم يُخرجه غضبُهُ عن الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له.

 

قال رجلٌ لوهب بن منبه : إن فلانًا شتمك. فقال: ما وجد الشيطان بريدا غيرك؟!.

قال الغزالي : إن كظم الغيظ يحتاج إليه الإنسانُ إذا هاج غيظُهُ ويحتاجُ فيه إلى مجاهدةٍ شديدة، ولكن إذا تعود ذلك مدة صار ذلك اعتيادًا فلا يهيج الغيظ، وإن هاج فلا يكون في كظمه تعبٌ، وحينئذ يُوصف بالحلم.

 

وذكر ابن كثير رحمه الله من صفاتِ أصحاب الجنة عند تفسير قوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) إلى قوله: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال: إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه، وعفوا مع ذلك عمن أساء إليهم.

 

ذكر ابن كثير في سيرة عمر بن عبد العزيز أن رجلاً كلمه يومًا حتى أغضبه، فهم به عمر، ثم أمسك نفسه، ثم قال للرجل: أردت أن يستفزني الشيطان بعزة السلطان، فأنال منك اليوم ما تناله مني غدًا؟ قم عافاك الله، لا حاجة لنا في مقاولتك.

 

فهيا أحبابنا نعود أنفسنا كظم الغيظ والتحلي بالحلم عسى أن يملأ الله قلوبنا إيمانًا وحكمة، ويزيدنا يوم القيامة رفعة.

 

قال رسول الله ﷺ (من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور عين ما شاء) الترمذي.

عن المؤلف