كتبته :الشاعرة الإعلامية سبأ الحوري.
شيءٌ ملفتٌ، يكادُ الكونُ أن يُغمضَ عينيه أمامَ عظمتهِ، فيخشى أن يفقِدَ لمعةَ إدراكٍ تأبى أن تسقطَ من بين أصابعِ الزمن. هو شيءٌ لا يُختزلُ في الكلمات، ولا تُحيطُ بهِ الحروفُ مهما استنزفتَ منها الصّبرَ، كأنّهُ قُبلةُ السّماءِ على جبينِ الأرضِ، تتهادى وتتمايلُ بين أسرارِ الليلِ وهمساتِ النّهارِ.
هو السّكونُ الذي تتولّدُ منهُ الصّرخات، والشّغفُ الذي ينبعثُ من رمادِ الأفكارِ، وذاكَ البريقُ الذي يُشعلُ قلبَ الحائرِ، ويُعيدُ للعقلِ لذّةَ التّساؤلِ بعدَ طولِ انتظارٍ. في كلّ زاويةٍ من زواياهُ، تكمُنُ حكايةٌ لم تُروَ بعد، وتنسابُ الأحلامُ نحوهُ كأنّها عناقيدُ نجومٍ تتساقطُ في حضنِ ليلٍ طويلٍ، يحلمُ بهِ الفلاسفةُ والشّعراء.
ذاكَ الشيءُ الذي تُثيرُ رؤيتُهُ عاصفةَ من المشاعرِ المتناقضة، تارةً هو سكونٌ يعانقُ القلبَ كنسمةٍ هادئةٍ، وتارةً هو عاصفةٌ تجتاحُ النفسَ فتوقظُ فيها كلَّ ما ظنّتْهُ خمدَ. لا يُدرَكُ بالبصرِ وحدهُ، بل هو معنى يتسللُ إلى ما وراءَ العينِ، إلى حيثُ تسكنُ الرّوحُ، فيلامسُها كما تلامسُ الأمطارُ غصونَ الأشجارِ بعدَ ظمأٍ طويلٍ.
في عظمتهِ تجتمعُ تناقضاتُ الحياةِ؛ فتراهُ باردًا كالليلِ وساخنًا كالشمسِ، هادئًا كالموجةِ الأولى وعاصفًا كموجِ المحيطِ. هو اللغةُ التي تتحدّثُ بها النجومُ، واللحنُ الذي تُنشدُهُ الكواكبُ في دورانها المستمرّ، هو السّرُّ الذي تحاولُ الطّبيعةُ إخفاءَهُ في زواياها لكنّهُ يتسربُ بينَ أصابعِها كالرّملِ الّذي لا يقبَلُ الأسرَ.
تأمّلهُ كمن ينظرُ في مرآةِ الغموضِ، فلا يرى إلا ذاتهُ، لكنّها ذاتٌ جديدةٌ، قد بُعثتْ للتوِّ من رمادِ التجاربِ والتّساؤلاتِ. في حضورهِ تنبثقُ الصّورُ في العقلِ، كأنّها لوحاتٌ فنيّةٌ يُعيدُ الزّمانُ رسمَها مرارًا، تُدهِشُكَ مرّةً وتسحرُكَ ألفَ مرّةٍ. هو الشيءُ الّذي تعجزُ عن لمسِه بالأصابعِ، لكنّ قلبَك يعانقُه، ويجعلُك في حالةٍ دائمةٍ من الدهشةِ والتأملِ، كما لو أنّكَ في حضرةِ سرٍّ كونيٍّ لا يُفصحُ عن نفسهِ إلا حينَ ينكسرُ الصمتُ في داخلك.
هو النّبضُ الذي يجعلُ للأشياءِ معنىً آخرَ، أعمقَ من الألفاظِ وأكثرَ جاذبيةً من الشّكلِ الخارجي. هو قصيدةٌ لم تُكتبْ بعدُ، لكنّك تقرأُها في تفاصيلِ الحاضرِ وفي لمحاتِ المستقبلِ.
المزيد من الأخبار
محرقة
نار بلا وقود
الحب والتضحية