كتبت: دنيا محمد مخيمر
ما الذي دفعها للابتعاد؟ ؛ رغم أنه يعني لها روح الروح؟
كيف طاوعها قلبها أن تتسبب في موته؟
__________
أعلنت زقزقة العصافير وصوت المنبه المزعج عن بداية يومٍ جديد، فهل للنهايات أيضاً بدايات؟
نهضت سلمى وأغلقت المنبه وبعدها أمسكت بالهاتف وفتحت أحد تطبيقات المراسلة لتكتب (صباح الخير، كيف حالك عزيزي؟).
وبعدها ألقت الهاتف على الفراش وأضاءت ضوء الغرفة ليكشف عن غرفة متوسطة الحجم وطلائها باللون الأسود.
ذهبت لتبديل ملابسها كي تذهب لعملها، وبعد أن انتهت أمسكت بالهاتف لتفتح التطبيق نفسه لترى أن الرسالة التي بعثتها قد تم تسليمها ولكن لم يتم الرد عليها بعد.
بدا على وجهها ملامح القلق وبدأت بالحديث.
سلمى..،
بعثت برسالة لخطيبي رؤوف ولكنه لم يرد عليّ، لم يكن هاكذا من قبل، تمكن مني القلق فاتصلت عليه؛ ليخبرني الهاتف أن المكالمة قيد الانتظار!!! من يحدث في هذا الوقت؟
لن اهتم، حينما يتفرغ لي أرى ذاك الموضوع، طلابي الآن في الجامعة ينتظروني.
نزلت من شقتي وذهبت إلى الجامعة ودخلت محاضراتي وانتهى اليوم؛ كل ذلك ولم يسأل رؤوف بعد!!!.
كانت هذه الليلة ممطرة ، وأنا بطبيعتي أحب المطر، فسأأخذ الطريق لمنزلي سيراً على قدماي، كانت المدينة هادئة نعم؛ لكن داخلي كان مزدحم بضجيج الأفكار ، وفي سيري، وأنا أنظر للمقاهي وكأنني لمحت رؤوف، لكنني لم أصدق، فاقتربت قليلا كي أتأكد ويا ليتني ما اقتربت…، لقد كان رؤوف جالساً مع إحدى الفتيات!
لهذا منذ فترة تتجاهلني يا رؤوف؟
أخذتني قدماي للطاولة التي يجلسان عليها ووقفت أمامه وهبطت بكفٍ على وجهه وقلت بخذلان..، لماذا يا رؤوف؟
أمسك بيدي وهو يرجوني أن أسمعه لكنني تجاهلته ونزعت خاتم الخطبة وألقيته في وجهه وذهبت.
سرت وأنا أرى ما أمامي ضبابي بفعل دمعاتي التي تتساقط متتابعة بلا توقف.
تذكرت حين كان يهمس لي أثناء حديثنا على الهاتف.
وحدكِ يا سلمى التي تتربعين على عرش قلبي، لم يأتي ولن يأتي أحدٌ سواكِ.
كنا دائماً نتشاجر بسبب حديثه مع الأخريات بلا حدود.
كيف للروح أن تتخلى عن نبضها؟
إنها كرامتي وأنا لن أهدرها حتى إن كان ذلك سيقضي عليّ.
تابعت السير لمنزلي وأنا أحاول كتمان دمعاتي النازفة؛ لكن هيهات.
وصلت لمنزلي وتوجهت مباشرة للشرفة ، كان أحياناً يأتي في منتصف الليل ويقف أسفلها كي يراني فقط؛ بحجة أنه اشتاق لي.
لمحت أحد الخطابات التي كان يكتبها لي فأمسكت به وأشعلته ليحترق، ولكن الذكريات لم تحترق، ليت باستطاعتنا تحويل ذكرياتنا لرماد متى شئنا.
هبت الرياح ليتطاير شعري ويبرد جسدي؛ لكن تلك الرياح لم تطفإ النيران المشتعلة بداخلي.
تباً للكرامة ولأي شيء يبعد الروح عن روحها.
وأنا أقف متطلعة من النافذة للخارج أبصرته يقف وعلى وجهه ترتسم ملامح الحزن.
يظن أنني حمقاء؟
سيأتي الآن فقط كي يتمسكن لي.
هو يظن أنني تلك الفتاة الطيبة الهينة؛ لكني لم أعد كذلك، كرامتي فوق كل شيء.
وجدت هاتفي يهتز برسالة محتواها..، اني أعتذر يا سلمى لكنكِ فهمتيني بشكلٍ خاطئ يجب أن نحكّم عقلنا.
لن يجعلني أتنازل بهاتين الكلمتين.
أنا غالية يا رؤوف، ليس معنى أنني لا أمتلك أهل أنني لست كذلك، سأجعلك تندم صدقني.
ظل واقفاً بعض الوقت ثم وجدت رسالة أخرى محتواها..، حسنا يا سلمى أنتِ من أردتِ، نعم كنت أتحدث مع أخرى، تعلمين أن خطبتنا تمت فقط من أجل والدي، وإن كنتِ لا تعلمين بذلك فها أنا ذا قلت لكِ، أنا لا أحبكِ يا سلمى.
حين لمحت تلك الجمل نزفت عيناي بشدة بالدمعات ولكني أكملت القراءة.
أكملت معكِ تلك الخطبة ولكن في أحد الأيام قابلت فتاة كالزهرة المتفتحة ومال قلبي إليها.
حاولت أن أنساها وحاولت أن أحبكِ أنتِ ولكن لا سلطة لنا على قلوبنا.
صدقيني يا سلمى، أنتِ لستِ سيئة، ولكن ليس بيدي .
أتمنى لكِ الأفضل مني.
أنهيت قراءة الرسالة وجففت دموعي وامتلأ قلبي بالإنتقام.
جيد أنني لم أبدل ملابسي بعد.
خرجت من المنزل متوجهة لقسم الشرطة.
حينما وصلت أخرجت إحدى الفلاشات ودخلت وطلبت رفع دعوة على رؤوف منير الزيني بتهمة القتل.
طلبوا مني الدليل وبعد فترة من الزمن قبضوا عليه وقالوا إن المحاكمة غداً.
ذهبت إلى المنزل وارتميت على الفراش وأنا أبكي بحرقة ومرت من أمامي ذكرة.
كان رؤوف يعطيني الفلاشة وهو يقول..، لقد حصلت عليها يا سلمى، لن يستطيع مالك تهديدي بعد الآن ، خذيها أنتِ ستكون معكِ في مأمن.
لم أكن أريد أن أستخدم هذا ضدك يا رؤوف لكنك إضطريتني لذلك.
__________
في الصباح.
في المحكمة وقفت سلمى وهي تنظر لكل شيء عدا رؤوف، أما عن رؤوف فكان مصدوماً.
كيف تفعل ذلك؟
هل هذه سلمى؟
كانت سلمى أعينها منتفخة أثر البكاء، هذا الظاهر، أما عن الداخل، كان قلبها يؤلمها.
أتى القاضي والشهود وكان ملخص المحاكمة أن كل الأدلة ضد رؤوف وتم الحكم عليه بالإعدام.
إنفطر قلب منير على ولده.
وكانت سلمى تائهة لا تعلم شيء عن شيء.
كانت كتمثال جامد لا يمتلك مشاعر.
سارت متوجهة إلى منزلها غير عالمة ما الذي سيصيبها بما فعلته.
في اليوم الموعود.
كان رؤوف ينظر لسلمى بكل الخذلان الذي يوجد في العالم وكأنه يقول..، لماذا؟
نُصبت المشنقة وحان الوقت.
كانت سلمى تقف ناظرة بذهول لا تعلم ما الذي أوصلها إلى هنا.
تريد أن تستفيق من هذا الكابوس.
هي الآن نادمة، لكن بماذا يفيد الندم الآن؟
نظرت لأعين رؤوف بكل ندم وهو نظر لها بمعنى كيف طاوعكِ قلبكِ أن تفعلي ذلك؟
الآن يأخذون رؤوف للمشنقة، وقُضيَ الأمر ولم يعد هناك رؤوف.
هنا وانهارت سلمى.
ظلت تصرخ وتبكي.
لكن يا سلمى ما جدوى هذا؟
حاول الجمع المتواجدون افاقتها وبعد فترة هدأت قليلا فذهبت إلى منزلها وذهبت عند تلك الشرفة التي كان يأتي ويقف أسفلها.
وجدت هاتفها يدق ففتحت ولم تتحدث.
قال الطرف الآخر والتي كانت فتاة..، مرحبا، لعلكِ الآن أكثر راحة، أنا ليلى، التي رأيتيها مع رؤوف، والتي لم تكن سوى ابنة عمه.
لقد كان رؤوف جالساً معي كي نحل مشكلتك يا آنسة، لقد هددت إحداهم رؤوف أنه إن لم يبتعد عنكِ فستأذيكِ.
رؤوف لم يحب سواكِ يا سلمى.
إلى اللقاء.
شعرت أن كل خلية في جسدها تنزف حزناً وندماً.
لماذا نرى الأشياء على شكل وحقيقتها شكل آخر.
وقفت سلمى تفكر في طريقة للانتحار، فهي لم تستطيع العيش بعد الآن.
نظرت من النافذة للمرة الأخيرة متوقعة أن تجد رؤوف لكنه لم يكن موجوداً.
مرت أمامها ذكرياتٍ عديدة.
لم تتركيني أبدا يا سلمى؟
سأل رؤوف لتجيب..، حتى الموت سأأتي وراءك.
*
انت روح الروح يا رؤوف، فكيف سأأذيك؟
*
أتحبني أنا يا رؤوف أم أخرى؟
لا يا عزيزتي لا يوجد إلا أنتِ في القلب.
إذاً لماذا دائماً تتقرب من الفتيات؟
إنه شيء عادي يا سلمى ولا أرى ما يمنعني من ذلك.
لكن هذا يوماً ما سيتسبب في خلافنا.
لا تقلقي يا سلمى.
*
عزيزتي سلمى إن حدث لكِ شيء فسألحق بكِ على الفور.
هنا ولم تتحمل فتحت النافذة والقت بنفسها من الدور العاشر، فقد كانت شقتها في الدور العاشر.
من أجل التسرع، قضي على روحين.
المزيد من الأخبار
لست مزيفًا
ثُمَّ ماذا بعد؟!
لما خائفه من الموت