كتبت ملاك عاطف
هكذا هُوَ الّرَحيل، خاطِفٌ مُفزِعٌ موجِعٌ إلى الحُزْنِ دومًا يَميل! هكذا هُوَ الّرَحيل، قاتِلٌ موجعٌ مُباغِتٌ عبدٌ لِلمُحْتَّلِ الّذَليل!
كانَ يُتابِعُها بِأنْظارٍ ملؤُها إشفاقٌ زائِفٌ ويتهَّيَأُ؛ لِيَنقَّضَ عَلَيْها، لا لشيء، إّنَما لأجلِ أن تَتِّمَ حَتْمِّيةُ القَدَر! ولأجْلِ مراسِمِ عَمَلِهِ المَسْنونةِ كقانونٍ كَوْنِّي!
لَكِّنَ الّسُّنةَ هِيَ انتِهاءُ الأجل، ولَيْسَ الإعدامُ سُّنة، ولا اغْتِيالُ الّطُفولةِ سُّنة، ولا سحقُ القُلوبِ سُّنة، ولا الغَدْرُ سُّنةٌ، ولا إحالتُنا إلى أرقامَ سُّنة!!
ظّلَ يُتابُعُها بِجُمودٍ قاسٍ يُشْبِهُ قسوةَ وَقْعِهِ في أرواحِنا! ولا يفقَهُ إّلا معناهُ المُلتَصِقِ بالأَبَدِّيةِ، وعَمَلَهُ المُمْتَثِلِ قطعًا للتَنفيذ.
رسوماتُها ترتَجِف، أقلامُها تصطَّك، وحَقيبَتُها المغسولةُ لِتَّوِها ترتَعِشُ مِنِ انقِباضِ حَدْسِها لا مِنَ البَلَلِ!
تَرَّجَلَتِ رَصاصةٌ غادِرةٌ مِنَ القَّناصةِ الّلَعينة، وراحَت تنطَلِقُ في هَواءِ الحِقْدِ نحْوَها، ظَّلَتْ طليقةً في فَضاءِ الإجرامِ حَّتى اختَرَقَتْ صدرها وأصابَتْ مُضْغتَها الّطَرِّيةَ بعدَ أن طحَنَتْ رِيَشَ قفَصَها وجعلَتْهُ أقْرَبَ إلى الّرُفاتِ أوِ الفُتاتِ مِنْهُ إلى العَظم!
غَرِقَ جَسَدُها الّصَغيرُ المُنْكَمِشُ في دِماها، وانقَطَعَتْ أنفاسُها، وعانَقَها سَريرُها في وداعٍ أخير، وأعلَنَتِ القُلوبُ انْكِسارَها، وأمْطَرَتِ المُقَلُ دمعًا غزيرًا حاّرًا، وخَّيَمَ الّرَحيل؛ فَشَنَقَ حَقيبَتَها المَدْرَسِّيةَ على حبلِ الغَسيل؛ لِيَقْبَعَ الفراغُ على مقعَدِها، وَيَسْكُنَ الحُزْنُ عُيونَ زميلاتِها، وتطوفَ الّذِكْرَياتُ في عقولِ مُعَّلِماتِها، ويغبَّرَ مكْتَبُها، وتَذْبُلَ الّصَيْحاتُ الكَشْفِّيةُ الخالِيةُ مِن صَوْتِها، ويَغيبَ حُضورُها إلى الأبَدِ، يَغيبَ آخِذًا معهُ جِّدَها، وأدَبَها، وحَيَوِّيَتَها، يَغيبَ آخذًا ولعَها بالّرَسْم، وحَماسَها لِنَيْلِ العِلم، وإحساسَها الّصادِقَ بالغَّزِّيين، يَغيبَ مُخَّلِفًا غّصةً في قلبِ نابُلسَ لا تُشفى، وشرخًا في روحِ أهلِها لا يلتئِم، وجرحًا في عاطِفَتِنا لا يبرأ!
بانا، رحمك اللهُ وأسكنَكِ الفِردَوْسَ يا أميرةَ الّشَهادة!
المزيد من الأخبار
محرقة
نار بلا وقود
الحب والتضحية