للكاتبة: هبة لعرج
أراقِب المطَر يهطِل بصخبٍ خلف الشُّباك،
تذكّرني قطراته بالمَاضي البعِيد قبل عَشرِ سنواتٍ أو أكثَر،
حوّلت مخيّلتي هذا المكَان إلى آلةِ زمنٍ،
سحبَتنِي إلى نفسِي التِي لا أذكرهَا،
راقَبتُني بحُب أشتاقُ إليه مع شعُور بالاغترَاب،
اعتقدتُ لوهلةٍ أنها شخصٌ آخر لا ينتَمِي إلي،
وأن المنزِل ليس هو ذاتُ البَيت الذي تطأه قدمَاي عادةً،
شعرتُ بأنني مجرد شخصٍ غريب عن نفسِه ينتَسِب للامكَان،
اختلستُ النظَر مجددًا لتِلك الفتاة،
شخصٌ سعيد دونَ جِراح، لا يحمِل همًّا،
فتاةٌ صغيرة تنتظِر توقّف المطَر بضجَر،
وترتسِم ابتسامَة على ثغرِها بعد سماع صوتَ الباب يُفتَح،
تركُض بسعادَة لحضنِ والدهَا الذّي دخَل المنزِل مُبللًا،
لأنها تدرِك أن ذراعيه هُما أكثَر الأماكن اتّساعًا،
وأن هذا الكنَف هو ملاذُها الوحِيد كلمَا وبلت السّماء،
شاهدتُها وهِي تعودُ لحيثُ كانت قبل لحظاتٍ،
تضرِب بأقدامِها أرضًا،
لا تطيقُ صبرًا حتى ينتهِي أبوهَا من تغيِير ملابسِه المُبتلّة،
لتخبره عن كرهها للسمَاء الماطِرة التي أفسدت رحلتهَا المدرسيّة
بعدَ طول انتظَار،
أخرجتُ تنهيدة تلقائِية دون أن ألاحِظ
قبل أن يختَفي كل شيء، وأعود لذاتِي التي اعتدتُها،
أرى أنّ الغيثَ اختفى فأستوعِب أن “الذّكريات” مجرد ذكريات،
وأنّ تلك التّي لا أنتمِي إليها هي أنا فِعلا، لكننِي كبرتُ فقط،
بينمَا هي لاتزَال “طفلة”، غير مدركة بأنها ستكون يومًا مُجرد
“شاعِرة” بُتِرت أنامِلها قبل كتابة قصيدتها الأخِيرة.
المزيد من الأخبار
في الحوش
إليك ياأبي
إما الأولوية أو العدم