كتبت: هاجر حسن
في الساعة الرابعة عصرًا، قررت الذهاب للتنزه في إحدى الحدائق العامة. كنت أستمتع بزقزقة العصافير المرحة وصوت خشخشة الرياح بين أوراق الأشجار، وأتامل السماء تحت تأثير نسمات الهواء. بينما كنت أعيش هذه اللحظات، قطع تأملي صوت فتاة جاءت للجلوس بجواري.
قالت لي: “أعتذر عن إزعاجك، ولكن هل يمكنني أن أسألك سؤالين؟” نظرت إليها، وإذا بها فتاة في المرحلة الثانوية، ملامحها طفولية وبريئة يكسوها الفضول والخجل، أجبتها: “نعم تفضلي بالسؤال”
قالت: “لماذا ترتدين هذا الحجاب؟ وهل الحجاب حقًا فريضة؟”
تبسمت وسكتُ لبرهة،، ربما مندهشة من السؤال المباشر، أو من اختيارها لي تحديدًا لتسألني.
قررت أن أجيبها بوضوح، قائلة: “عزيزتي، رغم أنني لست من أهل الفقه والفتوى، سأشاركك ما أدركه من يقين.”
أرتدي الحجاب لأنه أمر الله، ولأنه كالصَدَفَة التي تحمي المرأة، فالمرأة كالجوهرة الثمينة. أما عن سؤالك الثاني، فالحجاب فريضة، ولا مجال للشك أو التساؤل في ذلك. من المؤسف أننا في عام 2024 وما زلنا نتجادل حول فرضية الحجاب، وهو أمر واضح وضوح الشمس.
الحجاب فريضة، يعرفها المسلمون، ويعترف بها حتى غير المسلمين، إن سألتِ أي شخص في الغرب عن الإسلام، سيخبرك بأن المرأة المسلمة ترتدي الحجاب.
لا تحتاجين للبحث أو التشتت، افتحي المصحف، واقرئي سورة النور، وهي سورة مدنية تتناول الأحكام والفرائض. في بداية السورة يقول الله سبحانه وتعالى: “سُورَةٌ أَنـزلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا” (النور: ١)
أنزلناها، تنبيه للاعتناء بها، وفرضناها أي فرضنا عليكم وعلى من بعدكم من المؤمنين.
ثم انتقلي إلى الآية 31: “ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ” (النور: 31)
وليضربن بخمرهن على جيوبهن، كلمات تشرح نفسها ولا تحتاج إلى مجادلة أو تفسير. الخمار في اللغة هو ما يغطي الرأس، والجيوب تعني منطقة الصدر، فالآية تشرح نفسها بنفسها.
تنهدت الفتاة تنهيدة طويلة وكأنني اسمع صوت قلبها. قالت: “ماذا لو اقتنعت بفرضيته، ولكن ارتداءه ثقيل على قلبي، كصعود جبل؟”
ابتسمت بلطف وقلت: “تخيلي، ماذا تفعلين إن أخبرك الطبيب بضرورة إجراء عملية جراحية لإزالة زائدة ملتهبة؟ هل ستقومين بالعملية، حتى لو كان الأمر مزعجًا، أم تفضلين المخاطرة بصحتك؟
وماذا لو أخبرك الطبيب بأنكِ مصابة بمرض السكري ويجب أن تأخذي دواءً مرًا طوال حياتك؟ هل ستلتزمين بالدواء حتى وإن كان مرًا، أم تتجاهلين توصيات الطبيب؟ وماذا لو طلب منك المعلم حفظ كتاب ضخم لتحقيق النجاح، على؟ هل ستلتزمين حتى لو كان الأمر شاقًا، أم ستجازفين بالفشل؟”
الآن، هل تعتقدين أن الأمر بخصوص الحجاب أقل أهمية من هذه الالتزامات؟ الله سبحانه وتعالى يعلم أن الحجاب قد يكون تحديًا، وأنه زينتك، ويعلم بما في قلبك من حبك لهواء خصلات شعرك. يعلم بثقل الأمر عليكِ، لكنه أمر لحمايتكِ يعود عليكِ بالنفع في الدنيا والآخرة. هل تعتقدين أن التزامكِ بأوامر الله أقل من الالتزام بما طلبه الأطباء والمعلمون؟ أتنفذين أمر المخلوق وتعصين أمر الخالق؟
أردفت: “نار الدنيا لا تقارن بنار الآخرة، لماذا تخاطرين في أمر الجنة والنار؟ هل الجنة لا تستحق السعي لارتداء الحجاب؟ أم أن حبك لشعرك ومظهرك يستحق العذاب في النار؟”
قالت لي: “لا أدري ماذا أقول لكِ”
فقلت: فكري بعمق في الأمر، واقرئي الآيات بتأنٍ، واستعيذي بالله من شرّ هوى النفس ووساوس الشيطان.” الحجاب ليس فقط نسيج من قماش. بل هو جزء من طاعة الله، ووقار وتاج على رأسك.”
قالت: “سأفكر في الأمر جيدًا”
أجبتها: “وأنا سأدعوا الله لكِ ولي أن يهدينا لطريق الصواب، ويعيننا على طاعته والامتثال لأوامره واجتناب نواهيه.”
نظرتُ إلى السماء حيث امتزج اللون البرتقالي بخيوط من اللون الوردي، قلت لها: “انظري إلى السماء، ما أجمل الغروب، إنه دائمًا بداية جديدة.”
ابتسمت وقالت: “اشكرك كثيرًا على تفهمك وعلى وقتك، حان وقت عودتي إلى البيت.”
قلت لها: “لا داعي للشكر، كان من دواعي سروري الحديث معك.”
سلمنا على بعضنا البعض،وأنا ادعوا الله أن ألتقي بها مرة أخرى خرى وقد منَّ عليها بارتداء الحجاب….
المزيد من الأخبار
سر سعادتي
تمني
تمنيتُ شخصاً ملتزماً