يافا، معركة الدلافين ضد طغيان الحيتان.

Img 20240801 Wa0431

 

كتبت: هاجر حسن

 

يحكى أنه في أعماق عالم البحار، حيث يقع البحر الأبيض المتوسط، حيث تحكي الطبيعة سحر اندماج لون السماء السماوية مع لون سطح المياه الزرقاء.

كانت أشعة الشمس الحمراء تخترق سطح المياه، مضيئة ظلام قاع البحر. هناك كان يعيش عالم آخر تحت أعماق المياه الزرقاء، تعيش فيه مجموعة كبيرة ومتنوعة من الكائنات البحرية والأسماك.

 

من بين هذه الأسماك، كانت الدلافين التي تعيش في مدينة خلابة اسمها يافا، كانت يافا مدينة تعج بالحياة، تلمع فيها اللآلئ كأنها نجوم هبطت من السماء. مليئة بالطحالب البحرية، والأعشاب النادرة التي تستخدم كأفضل دواء للأسماك، وجبل صخري، شهير، مضيء ليلًا ذو قدسية روحانية. تسبح فيها الدلافين وتحيا بتعاون وحب وسلام.

 

كان لكل نوع من الأسماك مدينة مختلفة يعيشون فيها بسلام، إلا الحيتان الشرسة التي كانت بلا وطن تعيش متفرقة تحت أعماق البحار، فلم يكن لديها روح الانتماء إلى وطن، ولم يكن لديها بين بعضها البعض لا عهد ولا سلام.

 

في أحد الأيام، لاحظت الحيتان قلة عددها، وأنها صارت مهددة بالانقراض بعد اصطياد العديد منها من قبل الصيادين. اجتمعت الحيتان واتفقوا على أن يتوحدوا، لينشئوا لهم وطنًا خاصًا بهم مثل بقية الأسماك، ويتعاونون للحفاظ على سلالتهم.

 

حيرت الحيتان على أي بقعة في البحر يختارون ليستوطنوا بها كمدينة لهم. قال الحوت الأزرق، المعروف بشراسته وتعطشه للدماء بصوت غليظ: “يجب علينا أخذ مدينة يافا، فهي مليئة بالطحالب الخلابة والأعشاب النادرة واللآلئ الثمينة، وكل ما نحتاجه من موارد”. وتابع قائلًا: “إن سيطرنا عليها سنسيطر على كل مدن عالم البحار، لموقعها المتميز”.

 

قاطعه أحد الحيتان بنبرة احتجاجًا وقلقًا: “لكن يافا وطن الدلافين منذ قديم الأزل، ويجب علينا احترام قواعد سلام البحر بعدم الاعتداء على أراضي الأسماك لبعضها البعض”. لكن الحوت الأزرق استشاط غضبًا وأصر على رأيه قائلًا: “نحن أقوى الأسماك، ونحن الأحق بحرية اختيار أي وطن ومدينة نشاء”. اغترت بقية الحيتان بكلام الحوت الأزرق، ووافقوا على اقتراحه الماكر.

 

بعد أيام قليلة من اجتماع ونقاش الحيتان، قررت الحيتان الهجوم على يافا في أول بزوغ النهار. انقضوا على الدلافين بشراسة وقسوة، وقتلوا العديد منهم، وحاصروا المدينة واحتلوها واستوطنوا بها.

 

هرب بعض من الدلافين سريعًا إلى بقية مدن الأسماك المجاورة لهم لطلب الاستغاثة، لكن المدن جميعها خذلوهم بجبنهم وقالوا: “لا نقدر أن نعادي الحيتان”.

 

أسرعت الدلافين، للاستغاثة بالأخطبوط، حاكم البحر الأبيض المتوسط، وقدموا له معاهدة البحار، التي تنص على عدم الاعتداء على مدن الأسماك لبعضها البعض، والعيش بتعاون وسلام. ولكن الأخطبوط خانه ضميره كحاكم، بعدما قبض رشوة ثمينة من الحيتان، أعطوا له جزءًا من الأعشاب النادرة الدوائية، وبعض من اللآلئ الثمينة.

 

أخذت الحيتان تقتل الدلافين بلا شفقة أو رحمة، ووزعوا شرورهم في يافا، يحتلونها شبرًا بعد شبر، يقتلون صغار الدلافين وكبارها بلا رحمة، ويفترسونها كطعام. كانت اللآلئ تفقد بريقها، وكأن غيمة الشر تخنقها في صدفتها. تحولت مياه مدينة يافا إلى اللون الأحمر القاتم، من أثر سفك دماء الدلافين، فصارت يافا وكأنها مدينة أشباح تحت قاع البحر، يغيم عليها السواد، أشعة الشمس لا تصل لها من كثرة تلوث سطح الماء. كانت الدلافين الباقية، تقاوم وتناضل بباسلة من أجل استرداد أرضها. لكنها كانت ضعيفة، وحيدة أمام شرور الحيتان، وظلم باقي الكائنات البحرية والأسماك.

 

شاهد عالم البحار ما يحصل للدلافين في يافا بصمت تام. شاركوا جميعهم بجبنهم وخيانتهم، على الظلم والعدوان الواقع على الدلافين، بل تعاونوا مع الحوت الأزرق بشراء طحالب يافا منهم مقابل إمدادهم بأنواع متنوعة من الأعشاب كغذاء.

 

خانت جميع مدن الأسماك في البحر الأبيض المتوسط الدلافين. خانوا معاهدة السلام والعيش متعاونين. ورضوا بإهدار الدماء بدون وجه حق.

 

لكن الله عادل لا يرضى بالظلم، لذلك في فجر يوم بينما الأسماك جميعها ما زالت في غفوة وسُبات، أمر الله، باهتزاز باطن الأرض في قاع البحر، وانفجر قاع البحر ببركان ثائر من نيران. احترقت الكثير من الأسماك والحيتان والحوت الأزرق الخائن. وقتل كذلك الأخطبوط الحكم الظالم. ولم ينجُ سوى بعض من الأسماك والدلافين.

 

هُلكت الحيتان والأسماك الظالمة الساكتة عن الحق، المشاركة في الظلم. واستردت الدلافين الباقية يافا، لتحيا في عالم البحر بسلام، وتنشئ دولة عادلة في قاع البحر، لا تعرف للظلم سبيلًا.

 

تعلمت الأسماك الباقية أن العدل والسلام الحقيقي أساس الحياة في عالم البحار. أما يافا فقد عادت الحياة تنبض بها مجددًا، تتلألأ اللآلئ كأنها نجوم من السماء، وتنمو الطحالب والأعشاب وتتكاثر بأمان. ويضيء الجبل الصخري ليلًا مرة أخرى.

 

عاشت الدلافين في وئام وتعاون، وعملت جميع الكائنات البحرية على الحفاظ على معاهدة البحار والعيش في سلام….

عن المؤلف