كتبت: عائشة شرف الدين
أدخنِةٌ تُنافِسُ السَّحاب، أصواتٌ تعلُو من كل فَج، ونارٌ تشتعل دُونما سبب، ولا شيءَ يحترقُ سِوى أوطاننا، تلك الأوطان التي طالما كان الغدرُ أوفى أصدقاءها، ولم تعرف للاستقرارِ طريقاً قَط.
كيفَ أُخبِرُكم عن هذا الضَباب الكثيف بشكلٍ واضح؟
غَفَونا ذات سبتٍ، وما زلنا – حتى الآن – نترقبُ صباح الأحد، هُنا فقط، للهُدنة صخبٌ يفوقُ دَوِّي المدافع و الرعود، وهُنا فقط بإمكان الأوطان أن تخون وتلفظُ أهلها، وتسلِبُكَ أمانها دونَ أن تشعر!
ولكن ماذا عن الحرب إذا أتت في ربيع العمر؟
فالنتائج كارثية لا محال ،حيث تُباد الأحلام ،وتُزهق الآمال ،وتدمر الطموحات ، حيث للربيع أشجارٌقاسية ذات أشواكٍ مؤلمة ، شبابٌ بعمر الورد صاروا كُهّلاً وعجائز ، حاملين مآسيٍ وآلام ،حاملين طموحًا وأحلام ،حاملين همومًا وأوهام ،مابين أريد أن أكون
_وبين واقع يرفض أن يكون! .
كانت لهم أحلام وآمال ، وطموحات كبرى بتغيير واقع ضاق بهم، لكن سرعان ما تحوّلت هذه الأحلام لكوابيس تلاحقهم وتضيّق السبل عليهم أكثر .
عن حربٍ مندفعة بقوة السيل ،وقد جرفت أعمارهم وأحلامهم ، عن صحراء قاحلة إبتلعت كل ماهو يانعٌ ومزهر ، فمات الجوري نزفًا ، ويَبِس الياسمينُ عطشًا وقفرًا .فبدل أن يزهر ربيع أعمارهم نجاحات ،تساقطت آمالهم وأحرقت الجناحات .
أعان الله شبابًا ماذاقوا من نعيم الشباب شيئًا .
أما أنا فلقد صرت مُهجرًا في قوارب الموت، يتلاقفني الموج ويزج بي من هاويةٍ لهاوية، و
قبل مغادرتي أقمت مأتماً لي، حضورهُ مبادئي وما قاتلتُ لأجلهِ من أحلامٍ وطموحات، وشواهِدهُ التُراب المُقدّس الذي دستُ عليهِ!
ولكن !
أين أنا الآن؟ تائهٌ بين الأضّدادِ، والشتاتُ يلفّني من كل جانب، تتناطحُ بعقلي التساؤلات، ماذا سيُسَطّرُ في أوراقِ تاريخي أنهزامٌ أم انتصار؟
أسأكتبُ بطلاً شهيد ،أم مجرد شخص جرفه الموت
الى الهاوية ؟
هُنالك أنا في ركنٍ قصي ،أضجُ بأفكاري كناسكٍ علق بمفرده في معبده حتى صار رُفاتًا .
فسلامٌ على أوطاننا حتى تتحرر ،وسلامٌ على أرواحنا حتى يحين ربيعها فتُزهر وتَخْضر.
المزيد من الأخبار
إلى نزار قبّاني
الهروبُ من الألم
في مدح رسول الله