15 أكتوبر، 2024

مهاجر

Img 20240607 Wa0103

كتب: أحمد مدحت

 

يا الله آخيرا، قد طال إنتظار تلك اللحظة انتظرتها أعواما تلوها أعوام للوصول إليها، عانيت كثيرا و أنفقت الكثير و فقدت فيها ايضا الكثير.

 

و الأن سأترك تلك البلاد و لن أعود إليها حتما، لم أستطع أن أتمالك سعادتي، كنت أحضر حقائبي في لذة و كأن القيود تفك نفسها من أسري واحدة تلو الآخرى، أشعر بأن روحي أخف.

 

الأن أترك تلك البلاد التي مات فيها أخي، أخي العازف التي لم تنقطع ألحانه ابدا أنقطعت حياته و هو يحاول إخراج طفلين علقى في المصعد نتيجة إنقطاع الكهرباء المستمر، و من قبله أستشهد أصغرنا و هو يؤدي خدمته العكسرية نتيجة لعيار خائن أصابه و لم يكلفوا أنفسهم بنعي او جنازة تليق به هم حتى لم يذكروا اسمه، لم تحتمل أمي و فارقت الحياة بعدهم متأثرة بحزنها، أنفطر قلبها على أثنين من فلذة كبدها.

 

الأن أتركها بفقرائها الذين صعب عليهم إيجاد حتى كسرة الخبز و هموهم التي جعلت أصغرهم محني الظهر كالكهل.

سوف أترك الزحام و الذل و أبحث عن الأدمية في بلد آخر، لقد سئمت .. سئمت من الكذب و الأنتظار و إهدار المجهود المبذول، سوف اذهب لأركض .. اركض في مكان يستحق و أشعر فيه بالإنسانية، شعرت أن في هذه اللحظة أتنفس كالغريق الذي طفى على سطح الماء لتوه.

 

انهيت حقائبي و جلست جوارها في راحة، و لكن شئ ما جذبني لأعماق المياه مرة آخرى، شئ جعلني أشعر بغصة في قلبي عندما وقعت عيني على باب غرفتي و وجدتهم، ثلاثتهم يقفون أمامي بأعين تملئها الدموع، زوجتي و طفلتي ينظرون إلى و أعينهم تفيض من الدمع، فتحت ذراعي ليركضوا نحوي مجهشين بالبكاء ضممتهم وأنا أقبلهم في حزن بالغ، اقصى درجات العذاب أن تفارق عائلتك مجبرا، من يولد منا في تلك البلاد يكون مجبرا يا أحبائي منذ لحظة ولادته ليس له حق حرية اختيار أي شئ، حتى الشئ الوحيد الذي أختاره يتركه الأن مجبرا لبناء مستقبل أفضل لهم حتى لا يعانوا مثلما عانى هو

 

في الصباح تركت البيت و أمرتهم أن يبقوا فأنا لن أقدر أن أرى نظراتهم تلك في المطار ، بحقيبة ظهري و الآخرى في يدي نظرت نظرة أخيرة تجاه الشرفة لأودعهم بدون كلمة بأعين دامعة.

 

سنجتمع مجددا يا اغلى ما أملك ، و لكننا سنجتمع المرة القادمة في مكان أكثر أدمية.

عن المؤلف