ضحية صغيرة

Img 20240602 Wa0089

كتب: أحمد مدحت

 

كانت تسير بجوارهما علي رصيف البحر و علي الجانب الآخر السيارات تمر مسرعة كمرور الأيام .. كانت تسبقهم تارة و تعود لهم تارة آخرى، ترتسم على شفاتيها المنمنمتين إبتسامة بريئة.

 

طفلة يترواح عمرها من خمس لسبع سنوات ما الذي يشغل خاطرها سوى المرح، هي حتى لا تلاحظ تجهم وجه والديها، فالناضجين اللذان يسيران معاها تنطق أعينهم بالشر ، الأب تخرج الكلمات من بين أسنانه بصعوبة و الأم تستقبلها و هي تضغط علي قبضة يديها في توتر و غضب مكتوم، و الصغيرة تركض مستمتعة بالهواء الذي يداعب خصلاتها الشقراء، و لكنها توقفت عندما لاحظت إبتعادها عنهم، نظرت خلفها لتجدهم يقفون في قبالة بعضهم البعض، كل منهم يرشق الآخر بسهام الكلمات، أقتربت في حذر و وقفت تضم نفسها بذراعيها و اختفت إبتسامتها و تزاحمت الدموع في مقلتيها العسليتين تزامن مع أرتفاع أصوات هذين المخلوقين الكبيرين أمامها، كان العابرين يشاهدون بدون إكتراث حتى بدء الأب في استخدام يديه و احكم قبضته علي كتف الأم في عنف، صرخت، دفتعه في صدره في محاولة فاشلة للإفلات منه.

 

لم تحتمل دموع الصغيرة أن تبقي ساكنة في عينيها، تحولت شرارة الشجار إلى نار اجتمع حولها المارين، لم يهتموا بالصغيرة التي بدء صدرها يعلو و يهبط في سرعة و تنتحب في صمت، اجتمع الناس حولهم في محاولة لتهدئة الوضع بينهم، كانت الصغيرة وسط الزحام ترتجف، لم يلاحظها أحد و هل هؤلاء الكائنات الغير أدمية يلاحظوا هذه العيون الصافية الخائفة؟

 

لم يلاحظها أحد سوى ذالك الشاب الذي يتابع المشهد عن بعد ، قلبه لم يتحمل انهيار تلك الوردة و بدء يخطو تجاه الزحام ، و لكن صوت الصفعة التي نزل بها الأب على وجه الأم عندها نعتته بأنه لا يملك أي صفة من صفات الرجولة اخرصت الجميع، زاد انتحاب الصغيرة و الشاب يحاول شق الزحام للوصول إليها، لكن الأم دفعت الأب في صدره و ركضت تعبر طريق السيارات و تركت صغيرتها التي تصرخ بأسمها من بين بكاءها، و الأب يبثق عليها و هو ينعتها بالساقطة و لم يرى طفلته و هي تركض خلف أمها، هو فقط من أدرك الكارثة التي على وشك الحدوث ، ركض محاولا الأمساك بالصغيرة لكن السيارات كانت أسرع منه و نطق القدر كلمته لتكون الصغيرة ملاك نائم وسط بركة من الدماء، هنا فقط لاحظها الجميع، هنا فقط مات الأمل، هنا فقط مكث صدر الصغيرة في راحة، و ما كان من الجميع سوى ضرب كفا بكف.

 

هو فقط من حمل الذنب في صدره وحده فهو من لاحظها من بداية الشجار و لم يسرع إليها.

عن المؤلف