12 ديسمبر، 2024

أتدري حجم الجرم الذي ارتكبته؟

Img 20240528 Wa0221

كتب: أحمد مدحت

كان يقف أمام الضابط بقامته الضئيلة و جسده المرتعش يتوارى خلف أبيه متشبثا بملابسه، والده الذي يجهل لماذا أتوا به و بولده بهذه الطريقة ؟ و ليس لديه علم عن تبدل حال ولده ذو العشرة أعوام منذ أيام، ذلك الطفل المرح المحب للهو و الصخب أصبح في ليلة و ضحاها صامتا عابثا أغلب الوقت، يستقيظون أحيانا على صوت صراخه و الوسادة مبللة من أثر بكاءه، في يوم سمعوا طرقات عنيفة على باب بيتهم و عندما فتح الأب بادره أحد العساكر بسؤال أصابه بالذهول ..

 

– أنت والد صالح؟

 

لماذا تسأل الشرطة عن طفله الذي لا يتعدى عمره العشر سنوات؟

 

– ماذا فعل ولدي؟

– ستعرف في القسم

 

كان طفله يقف خلفه في هلع، كاد يجذبه العسكري لكن أسرع الأب و حمل طفله و قال ..

 

– سنأتي معكم دون أن يمسه أحد

 

و ها هم الأن أمام الضابط الذي سأل الطفل بشكل أعنف و هو يحدق فيه بغضب ..

 

– انطق يا ولد، لماذا حرقت البقالة؟

 

صدم الأب، أكان طفله هذا القزم الصغير هو السبب في الحريق الذي نشب في البقالة المجاورة لهم! و لكن كيف؟ استنكر الأب قائلا..

 

– يا حضرة الضابط كيف لهذا لطفل أن يفعل شئ مروع كهذا؟

 

أخرج الضابط هاتفه و أعطاه للأب الذي شاهد فيه طفله من إحدى كاميرات المراقبة و هو يدخل وسط الزحام مستغلا إنشغال البقال و في يده قداحة مقتربا بها من إحدى منتجات المقرمشات و أشعل في صندوق منهم النار و خرج راكضا، و سرعان ما أنتقلت النيران للبضائع المجاورة.

 

جلس الأب على ركبتيه و مسك بكتف صغيره في رفق و قال ..

 

– لماذا فعلت هذا يا بني؟

 

كان هناك تلفاز في مكتب الضابط يعرض نشرة الأخبار لواحدة من جرائم الأحتلال الصهيوني، أنهمرت دموع الطفل و خرجت الحروف من بين نشيجه متقطعة مشيرا بكفه الصغير إلى التلفاز و قال..

 

– من أجلهم

 

أعتدل الضابط في جلسته متعجبا و نظر الأب لأبنه في تعجب مخلوط بالحزن و ضمه لصدره و هو يقول..

 

-و ما ذنب البقال يا ولدي؟

 

في محاولة فاشلة من الطفل لمنع دموعه قال ..

 

– لقد أخبرتني يا أبي أن من يشتري حلويات المقاطعة خائن و يرسل النقود لقتلة أخوتي

 

قام الضابط من وراء مكتبه ليقف بجانبهم مملسا بكفه على رأس الصغير لتهدئته و سأله..

 

– أتفهم هذا الصراع يا صغيري؟

 

نظر الطفل من بين دموعه للضابط عاجزا عن فهم تلك الكلمة، أيقن الضابط مدى حماقته، أسيفهم طفل مثله تعقيدات هذه الكلمة؟ و هل يجب أن يكون الألم لقتل بريئ مقترن بالفهم؟، مر على ذاكرة الطفل مشهد رأه في هاتف والده لأخر جريمة أرتكبها الأحتلال و تذكر أشلاء الأطفال و جثث الكبار فزداد نشيجه و قال بصعوبة..

 

– أردت أن أنتقم ليامن فهو حزين و يبكي يوميا

 

نظر الضابط لوالده مستفهما فأخبره ..

 

– يامن صديقه في المدرسة، قتل جدته و جده في الأحداث الأخيرة

 

– لقد أخبرتني يا أبي أنهم أخوتي فلماذا يقتلوهم؟ و لماذا قتلوا خال صديقي سعيد؟ فهو يبكي أيضا من يوم أن قالت له والدته أنه أستشهد على حدود فرح

 

قال الأب شارحا للضابط ..

 

– خال سعيد يكون الجندي الذي استشهد يومها

 

قبل الأب جبين طفله و هو يصحح له..

 

– اسمها رفح يا بني و سيعمها الفرح عن قريب بأذن الله

 

قال الطفل معترضا..

 

– لقد أخبرتني عن رحمة الله يا ولدي، فلماذا يتركهم يأذونهم هكذا؟

 

هنا جلس الضابط بجانب الأب حابسا دموعه كي لا تهتز صورته و قال..

 

– سيرد الله الحقوق يوما ما أيها الرجل الصغير

 

و مسح بيده دموع الطفل و قال

 

– فطرتك سليمة يا ولدي، يسلم من رباك

 

و قال مبتسما محاولا تخفيف الموقف..

 

– لكن المرة القادمة قاطع فقط دون أن تشعل النيران.

 

خرج الأب عن صمته و قال للضابط..

 

– و من يخمد النار التي بداخلنا؟

 

عجز الضابط عن الرد كعجزنا جميعا و لكنه قال..

 

– فعل ابنك ما لم يفعل الكبار نصفه، فهم يبررون بالتفاهات عدم مقاطعتهم، و هو أقل شئ يقدمونه لهم

 

و حول نظره لصالح قائلا له في حنان ..

 

– حفظك الله يا ولدي و حمى فطرتك و أصلح بك إن شاء الله.

عن المؤلف