5 ديسمبر، 2024

حلم أهل فلسطين

Img 20240426 Wa0159

كتبت: رضوى سامح عبد الرؤوف 

 

سوف نُكمل حديثنا اليوم عن أرضنا المحتلة “فلسطين”، ولكن عن طريق قصة قصيرة تصف إلى أي مدى وصل الإرهاب، والإعتداء وقتل أهل غزة بدمٍ بارد، بلا رحمة أو شفقة وبطلة القصة تُسمى “ريما” ومنزلها الصغير، الذي كانت تطلق عليه عالمي الجميل، وهي بنفسها سوف تحكي قصتها ولكن بقلمي أنا وتأليفِ أنا، ربما تكون مجرد قصة مؤلفة؛ ولكنها واقعية وحقيقية ولدي يقين أن يوجد ريما حقيقية بفلسطين، ولكن لم تكتشف بعد ولم يصل صوتها للعرب إلى الآن.

أنا ريما عُمري ثمانية سنوات، وأسكن بمنزلي الصغير مع أبي وأمي، وجدي وجدتي بمنطقة رام الله بفلسطين، أن منزلي جميل للغاية ومنطقة رام الله أعتبرها قطعة من الجنة.

وبيومًا ما عُدتُ من المدرسة ودخلت المنزل، ووجدت أمي تُجهز لي أكلتي المفضلة “المسخن” وقمت بتقبيل أمي فقط بالمنزل، وسألتها عن أبي وجدي وجدتي وأين هُم؟

قالت لي: أن أبي بالعمل، وجدي يُصلي صلاة الظهر بالمسجد، وجدتي عند الجيران؛ ثم أخذت إذن منها أن أقم بتبديل ملابسي، وألعب بالخارج مع رفيقتي وسوف أخذ دُميتي لِيلة معي، وذهبتُ للخارج ووجدت رفيقتي “مِليحة”، وأخبرتها عن دُميتي لِيلة وعن أهميتها بالنسبة لي، ثم وجدت تعبيرات وجهها قد تغيرت وبدا الغضب على وجهها، وسألتها لماذا أنتِ غاضبة يا مليحة؟

قالت مليحة: لأن أصبحت دُميتك أقرب لكي منيِ أنا.

ريما: نظرت لها نظرة طويلة، ثم ضحكت وأخبرتها أن مهما حدث مستحيل يأتي أحد ويأخذ مكانها، وبعد مرور بضعة دقائق خرجت أمي؛ لتُناديني ولكنني بعدت قليلًا أنا ومليحة، صارت أمي تركض حول المنزل، وتُنادي علي ريما ….ريما حتى وجدتني أمي وصرخت علي، وبعد ذلك رجعت أنا وأمي ومليحة للمنزل، وقبل أن نصل للمنزل بخطوات حدث إنفجار بمنزلنا ومنزل مليحة أيضًا، وصرخت أمي بعلو صوتها وبنفس اللحظة عاد أبي وجدي للمنزل، وخرجت جدتي من منزل الجيران على صوت وكانت تخشى أن أكون أنا وأمي بالمنزل، لقد تدمر عالمي الجميل؛ بسبب ذلك الإحتلال اللعين.

بعد إنفجار منزلنا ومنازل الجيران أتى بعض عناصر من الجنود الإسرائيلين، وبدأو بالضرب بعائلتي والجيران، وأتى أحدهم من الجنود وحاول أخذ دُميتي؛ ولكنني تشبثتُ بها ومنعت أحد يأخذها ثم بدأنا بالركض هربًا من ضرب الجنود، وإنتقالنا جميعًا إلى المُخيمات وكنتُ أبكي أنا ومِليحة كثيرًا؛ بسبب ما يحدث لنا ولخسارة منازلنا، ولكن جاءت أمي وأم مليحة وقالوا لنا جُملتين مثل الذهب قالت أمي: لا تحزنن يا فتيات سنعود يومًا ما؛ لأن هذه أرضنا وهذا منزلنا، وأنتِ يا ريما وأنتِ يا مليحة لا تنسيين هذا الحلم.

قالت أم مليحة: لا تخافا يا فتيات نصر حليفنا مهما مرت السنوات، وسيعود كل شيء كما كان سابقًا، وتذكرن تلك الآية جيدًا “ألا إن نصر الله قريب”.

قضينا حوالي خمسة عشر يومًا بالمخيمات، ثم إضطررنا لترك بلادنا فلسطين وننتقل إلى مصر؛ حتى نُحافظ على حياتنا.

وعندما كنا نعبر فلسطين كنت أنظر حولي، ووجدت العديد من أهل فلسطين لاحقين بنا؛ للخروج من فلسطين وللآن أتذكر كل شيء حدث بالتفاصيل كأنه أمس، أتذكر كيف كان أبي وأمي يسيران ممسكًا بجدي وجدتي، وأمي ممسكةٍ بي أيضًا وأنا أسير ممسكة بيد مليحة بكل قوة؛ حتى لا تضيع مني بسبب الإزدحام، ثم سألت أمي متى سنعود مرة ثانية؟

أمي: سنعود قريبًا يا ريما، هذه أرضنا ولن نتخلى عنها.

وكل يوم تُصيبني نوبة هلع أثناء النوم؛ بسبب تلك الذكريات المريرة بحياتي، والآن صار عُمري واحد وعشرون عامًا ولقد رحلت أمي من هذا العالم منذُ خمس سنوات، وبعدها بعام رحلت أم مليحة وذهبت لأمي؛ ولكنني لم أنسى تلك الجملة التي قالتها لي بالمخيمات.

والآن أنا تخرجت في كلية تربية، ومليحة لم تتركني وظلت تشاركني بكل لحظة، حتى أنها تخرجت معي من كلية تربية أيضًا، وظل حلم العودة لأرضنا ومنازلنا ينمو بداخلنا يومًا بعد يوم، وكل يوم نتذكر كلمات أمهاتنا ونتنفس من أجل تحقيق هذا الحلم، الشبه مستحيل للكل حتى أبي لقد يأس من أن نعود لأرضنا يومًا ما، وخاصةً بعد موت أمي ذلك الأمل دُفن مع أمي، ولكن الألم حقيقي أنها دُفنت بأرض غير أرضنا، وأنها كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي تأخذ وعد مني بأن أعود لفلسطين، وكانت تترجىَ أبي أن يدفنها بفلسطين؛ ولكن أبي لم يستطيع فعل ذلك، وحتى أنا حتى الآن لم أستطيع تحقيق وعد أمي، ونفس الشيء حدث لمليحة أيضًا لقد ذهب الأمل سُدا بقبر أحبائنا؛ ولكن كلمتهن لم تمت ولم تفرق أُذني، وحلمي أنا ومليحة هو أن نحقق حلم أمهاتنا ووعد الذي قطعنا على أنفسناونعود لفلسطين مرة أخرى ونبني منازلنا مرة ثانية.

المشكلة حقًّا أن كلما رأيت ما يحدث بفلسطين الآن؛ أحزن كثيرًا واليائس يتملكني أنا ومليحة، وحُلمنا بأن نعود لأرضنا ونُعلم أطفال فلسطين، ونبني عقولهم ونُنمي بالمعلومات والثقافة التي أصبحت مُعدومة؛ بسبب الإحتلال الصهيوني، وهدمهم للمدارس وقتلهم للطلاب وللمُعلمين، وسفك دماء الأهالي، وإبادة أهلها بالكامل، وهدم منازلهم الذي أصبح عادة يوميًا لدى المُحتلين؛ حتى يستطيعوا أن يتنفس بأنفسنا، ويعيشوا بأرواحنا، وينعموا بخيرنا وبلادنا الحبيبة “فلسطين”، وحتى الآن أتمنى أن أستطيع أن أعود أنا ومليحة لفلسطين يومًا ما قريبًا.

عن المؤلف