كتبت: رحمة صالح عمر
أنس ما الذي تفكر به؟
بان عليه أبوه وهو يسئله هذا السؤال.
“أفكر في مجريات ما يحدث، لم يسبق لي أن تعرضت لمثل هذه الأمور، هل سنصمد؟
ضيّق والده عيناه وضم شفتاه إلى الخلف بحسرة، وقبل أن يتفوه بما في جعبته، قال أنس: لا تندم على ما منحتني إياه، لا تقلق إنني كفيل الثقة، ولكن الإنسان أحيانًا تخور قواه، يشعر بأن الحمل الذي يحمله ثقيل، ولا يمكن رفعه، فترة صعيبة، يأتي بعدها اليسر-بإذن الله- لا تقلق”
رق قلب أبيه، مما جعله يحتضنه بخر، وهو مطمئن إليه.
ابتعد عنه قليلا، وقال: الرسالة وصلت
والد أنس(سالم): إلى من؟
_سيليا، قلتُ لها بأن البضاعة خرجت عن الطريق الصحراء عبر الجمل، والشرطة في الإتجاه المعاكس.
تنهد سالم بقلق ثم قال: أخشى أن يكونوا وضعوا احتياطاتهم، عندما تغيّرت الخطة.
_لا أظن؛ لأنني وضعتها في حِمل قائد القافلة، وهم يعرفونه.
لا أظن أن يشكّون به.
“أبا حاتم، أنس، تعاليا العشاء جاهز”
_سنكمل حديثنا لاحقا، هيا لنملأ البطن.
“أوه رافع”
تبسم رافع ورفع يده، ليحيي رفاقه، وسحب الكرسي من تحت الطاولة وهو يتكئُ عليه، ثم رفع حاجبه إلى لبيد وقال: أراكَ هنا، غريب أمرك يا رجل!
رد عليه لبيدٌ بسخرية: وما الغريبُ في الأمر؟
_ لبيد، الولدُ المدلل، صاحب العجوز الشّرِف في المقهى؟!
ضيق عيونه باسفزاز: منذ متى وأنت تتركه وحيدا؟
تعجّب هاشم من أمريهما، وما لبث إلا دقائق حتى وقف مصدوما وهو ينظر إلى لبيد الذي انحال بالضرب على رافع، وعمّ المقهى بالضجة؛ فمنهم من جاء يهرعُ إلى الشابان الذان يتقاتلان، ومنهم من وقف متوجسا يشاهدُ من بعيد،استمرت المعركة خمسة دقائق، إلى أن…
“حسنا أستسلم أستسلم”
ابتسم لبيد ومدَّ يده إلى رافع الذي كان مطروحا، أرضا، ثم نهض الأخير وقال: اشتقت لك يا رجل.
“ما هذا الهراء؟ ما هذه المهزلة؟”
“ما الذي جرى للتو؟!'”
أغمض رافع عينيه بشده، وهو يسمع من في المقهى يتذمرون من المسرحية التى حصلت وللتو!
وكاد يُغمى عليه عند رؤيته لمدير المقهى( وجهه لا يبشر بالخير)
رفع المدير يده وضربها على الطاولة بقوة، حتى كادت الأرض أن تهتز تحته، وصرخ بصوت عالٍ:
أخرجا، ولا ترياني وجهيكما مرةً أخرى هنا.
خرج الصديقين ببلاهة وهما يضعان أيديهما على أكتافِ كلٍّ منهما ويبتمسان ابتسامةً ساذجة، وخرج بعدهم صديقم الثالث وهو ينظر إليهما بامتعاض.
هشام: ألا تكّفان عن حركات الأطفال هذه؟
قال له ليبد بعد أن رمّقه نظرةً ساخرة: لا نريد أن نكّف.
وقالَ رافع بعد أن ابتسم ابتسامةً واسعة أظهرت جميعَ أسنانه: جيّد أن خرجنا فهناك ما أريد أن أحدّثكم به.
نظر الأوّلان إلى بعضهما باستغراب، ثم نظرا إليه فشرع بقول: علمتُ بكّل شيء.
قالَ لبيد وكأنّ أذناه لم ليتقطا صوت رافع: ماذا قلت؟
أكّد رافع ماقال قبل قليل: نعم علمت.
في النافذة العالية المقابلة للمقهى من جهة اليمين، ظهرت رنا وهي تستنشق النسيم العليل، كان ذلك أشبه بمن يجلس تحت حرارةِ الشمس قبل أن تغيّم السماء، لينبعثَ الهواء الذي يماازح النفس، ويخبرها بأن بعد الضيق الفرج، أغمضت عينيها وهي تلتقط الشهيق، كأنها تخَافُ عليه أن ينفد، وفتحتهما بعد أن زفرت زفرة طويلة، كأنها تريد للأحزان أن تخرج من جوفها، جلست بعدها على الكرسي الموضوع أسفل النافدة وراحت تفكر في الماضي البعيد…
في حديقةٍ مليئةٍ بالأطفال تجلسُ على الأرجوحة إرجوانية اللون وهي تصرخ بحماس: واحد، إثنان، ثلاثة…
“أوه! أنتَ هنا”
التفت والدها للمتكلم وقال:
“أوه، يا لها من مصدافة!”
_ أريدُ أن أجلسَ معكَ قليلا، إن سمحت بذلك”
” لا بأس”
أيقضها من هذه الرحلة صوت الباب الذي طرق.
تنهدت رنا وقالت: أدخل
“هذه تهنيد يا ابنتي تريدك أن تردي على الهاتف”
ضربت رنا يدها على جبتها بخفة وقالت: نسيت أن أهاتفها قالت لي اتصلي بي ولم أتصل.
وقفت بشيءٍ من التعب، وأخذت هاتفها من على السرير، انتظرت لبضع ثواني، إلى أن:
أين كنتِ يا رنا؟
” الهاتفُ كان صامتًا، ونسيت الإتصال بك، هل هناك شيء”
“نعم، وصلتني رسالةٌ من أبي حاتمٍ للتو”
دقَّ قلبُ رنا من الخوف عندما سمعت الاسم
“رنا ما بك؟ ”
” أستمعُ إليك، أكملي”
” الرسالة تقول: *صُندوقٌ أسودٌ، يخبئُ* *الأسرار، ثقيلٌ رديء، يُجفِلُ* *الثوار”*
رفعت رنا حاجبيها من الصدمة وقالت:…
يتبع…
المزيد من الأخبار
القصص القرآني؛ عبر ودروس
تمني
رواية خديجة