إذا شاء ربك

Img 20240421 Wa0054

كتبت: سحر الحاج

لم أنعم بالنوم طويلا كهذا منذ زمن بعيد، كان على مدار سنوات يبدأ يومي من فلق الصباح ولا ينتهي حتى يختفى آخر نور من شفق المساء؛ وعندما أعود لبيتي حتى يرتمي جسدي متعبًا مجهدًا عند فراشي لا بل هو مجرد لحاف اتوسده كل ليلة وافارقه مع حلول الصباح، عملي شاق جدًا أذهب للسوق كل يوم وانتظر وصول سيارة الشحن لنقل البضاعة على ظهورنا من المستودع إليها وهكذا عندما ننزل البضاعة من عليها إلى الداخل، نحن ثلاثة أشخاص نعمل هنا أكثر من ثلاث سنوات؛ للحصول على ما يسد به رمقنا. فقدت أسرتي في صغري وفاتهم المنية في حادث سير مؤلم لم ينجو من الموت غيري، كنت في الرابعة من عمري لدي جدة تسكن في مدينة أخرى بعيدة جدًا، ولا أدري عنوان منزلها ولكن أتذكر أننا كنا ذاهبين لزيارتها في تلك المدينة، بعد وفاة جميع أسرتي أصبحت وحيد لا أملك إلا ذلك البيت الصغير الذي كنا نسكن فيه بأجرة كل شهر، بعد عدة أيام جاء صاحب البيت وأخرجني منه، وضعي في دار للأيتام مكثتُ فيها حتى كبرت؛ ولم أنل العلم الكافي حتى الآن وكان علي مغادرته في عمر الثامن عشر، حينها ذهبت إلى السوق العام أبحث عن عمل أكل منه، ساعدني صاحب هذا المستودع الكبير، الرجل الطيب أعطاني بيت صغير جدًا أنام فيه و أوي إليه، عملت معه طيلة هذه السنوات الثلاثة، وفي يوم مثل كل الأيام، كنا نقوم بنقل البضاعة من المستودع إلى الشاحنة كانت الشاحنة متجهة إلى تلك المدنية، لا أدري هل هي حكمة من الله؟! أم رحمة من الله بي! طلب مني السيد الطيب أن أذهب مع الشاحنة لأنه لا يستطيع الذهاب اليوم بسبب بعض الأعمال، توجهت منطلقًا إلى حيث يقودني قدر الله! وصلنا لمنزل ضخم جميل وكأنه قصر حكايات، لم أرى مثله من قبل نقلتُ البضاعة للداخل، كان هناك غرف كثيرة وأثاثُ فاخر جميل يأخذ الأنظار، لوحات وصور معلقة على الجدران، دلفت إلى إحدى الغرف لوضع أحد الصناديق التي أحملها، كانت هناك صور عليها أتربة وكأنها لم تنظف منذ زمن بعيد، لفت نظري شيء غريب صورة الرجل مألوف لدي وعلى يساره تبدو امرأة ولكن لا تظهر ملامحها جيدًا بسبب الأتربة، بعد أن وضعت الصندوق على جنب، اقتربت من تلك الصور ومسحت الأتربة براحة يدي ببطء لأفتح عيناي على وسعهما من هول المفاجأة، أنها عائلتي! نعم إنها أسرتي التي فقدتها منذ سنوات بعيدة، هذا أبي وهذه أمي أخي وأختي وأنا! يا للعجب لا تغيب ملامحهم عن عيناي أبدًا ولا أنسى وجهه أمي الجميل، وأبي نعم أنه هو لا أنسى ملامحه أبدًا، فاضت عبراتي تنهمر بغزارة شديدة، جاءت تتجه نحوي عجوز تتكئ على عكازها، لها ملامح جميلة تغطي عليها مر السنين و شقى الدنيا، وقفت قبالتي بعد أن ألقت علي تحية طيبة، حولت نظرها عني لتنظر للصورة أمامي، عدلت من وضع نظارتها، لم تفهم لماذا أنا أقف هنا وبذات أمام هذه اللوحة، لم أجد غير أنها تحتضنني فجأة، نعم إنها جدتي هي أم والدي المتوفى، لا أدري كيف؟ ومتى حدث كل ذلك! فقد هذا ما حدث معي وجدت جدتي ووجدتني، هذا من فضل ربي سبحانه. من براثن الفقر واللجوء إلى راحة وفضل وغنى من عند الله.

عن المؤلف