كتبت: هاجر حسن
اقترب ضياء الفجر من البزوغ، واستعدت قطرة الندى لرحلتها اليومية المعتادة إلى الأرض.
هبطت بمظلتها في حديقة جميلة، حيث كان الأطفال يلعبون ويمرحون. الجميع يضحك ويستمتع بأشعة الشمس الدافئة، والأزهار الملونة تتمايل مع الرياح، بينما الطيور تغرد بصوت عذب فوق الأشجار.
ملؤها الحماس لبدء رحلتها، راقبت قطرة الندى ما حولها، حتى وقعت أعينها على طفل يقف بجوار والدته، يضع فوق رأسه سماعات أذن كبيرة، شاردًا وحزينًا. أثار فضولها هذا الغلام ذا الشعر الأسود الانسيابي والعيون الواسعة الحزينة، التي تحمل قصصا وروايات مُخبأة.
ساعدتها الرياح لتصعد فوق كتف الغلام، وسمعت والدته تخبره: “يزن، -من فضلك – انزع تلك السماعة وتفاعل مع الأجواء. أرجوك بُنيا، حاول أن تنظر إلى جمال الحديقة. هيا اذهب واركض والعب الكرة مع الأولاد.”
لكن يزن صمتَ وذهب بخطوات شاردة نحو مقعد بالحديقة، يجلس عليه شاردًا.
ثار فضول قطرة الندى حول قصة هذا الغلام، وتمنت ألا ينتهي وقت رحلتها قبل معرفة ما هي قصته.
كان يزن شاردًا، ودموعه تتساقط من عينيه مثل لؤلؤ، يتضح من ملامحه الحزينة أنه كشجرة مقطوعة الفروع الخضراء.
فجأة، طارت الكرة الصغيرة أمام مقعد يزن، وجاء فتى صغير لم يتعد الثماني سنوات ليأخذ الكرة. وقف مندهش أمام دموع يزن، الذي أدار وجهه بعيدًا ليخفي دموعه. أثار يزن فضول الفتى الصغير، عمر، الذي ألقى بالكرة إلى أصدقائه وطلب منهم أن يعطوه خمس دقائق استراحة.
جلس عمر بهدوء بجوار يزن، وقال: “مرحبًا، أنا عمر في السابعة ونصف من عمري، وأنت ما اسمك؟” أضاءت هذه الكلمات شيئًا ما داخل يزن، الذي قال بهدوء: “أنا يزن.” ولأول مرة منذ فترة طويلة، شعر برغبة في التحدث والتفاعل.
سأل عمر: “لماذا لا تلعب معنا يا يزن؟ ألا تمل من الجلوس وحيدًا؟” خفض يزن عينيه إلى الأرض وقال: “لا أحب اللعب.” تعجب عمر فسأله: “ألا تلعب بالبيت مع والدك أو إخوتك ؟” لم يستطع حينها يزن كتم بكائه وأجهش بالبكاء.
انصدم عمر من بكاء يزن وأخذ يطبطب على رأسه برفق، متسائلًا إذا كان قد قال شيئًا خاطئًا. بفطنته، تيقن أن الأمر له علاقة بوالد يزن. فسأله هل الأمر له علاقة بوالدك، هدأ يزن وقال: “نعم، لقد فقدت والدي قريبًا بسبب مرض لعين.”
عمر؛ بابتسامه ممزوجة بالحزن، قال: “ لا بأس يا صديقي أنا أشعر بك، فقاطعه يزن قائلًا: لا لا أحد يستطيع أن يشعر بما أشعر به.
عنر، بإبتسامه ممزوجه بالحزن، قال: “كلا بل أنا أشعر بك جيدًا، فأنا مثلك فقد والدي بل قد فقدت أسرتي بأكملها.
تساقطت من عمر الدموع، ثم تابع: “الحياة تمضي، مهما فقدنا من أرواح، ستظل تلك الأرواح حية تعيش بقلوبنا، كلما لمسنا قلبنا سنشعر بهم”، كانت هذه آخر كلمات أبي لي قبل أن أفقده وأفقد أسرتي جميعها أثر حادثة أليمة.
وتابع: “ستظل تلك الأرواح حية تعيش بقلوبنا.” شارك عمر قصته المؤلمة، وكيف عوضه الله بخالته التي تحبه كابنها.
ثم قال عمر ل يزن: “كلما حزنت، سيشعر بك والدك ويحزن، وستعيش أمك حزينة. فكن فتى قويًا من أجلها.”
لم تستطع قطرة الندى حبس دموعها، وهمست للرياح أن تطاير البالون نحو مقعد عمر ويزن. تطايرت بالونات فوقهم، فضحكوا ضحكات عالية فرحة، وامتلأت قلوبهم بالأمل.
أمسك عمر بيد يزن وركض معه نحو الأولاد ليلعبوا بالكرة. ابتسمت والدة يزن وخالة عمر اللاتي كانوا يراقبون الحدث من بعيد، ونظروا بأعين لامعة فخورتين بأبنائهما.
في الحديقة المشمسة، وجد يزن، الذي فقد والده، صديقًا جديدًا في عمر، الذي عاني من فقدان مماثل، وتبادلان الدعم.
تعلمت قطرة الندى أن الفقد يداوي بالذكريات والحب، وأن الصداقة تمحي الأحزان وتجلب الأمل والفرح.
نظرت قطرة الندى إلى الشمس التي كادت تغرب، وجهزت مظلتها. همست للرياح التي حملتها إلى البحر، وتعانقت مع البحر وأشعة الغروب، وصعدت إلى السماء، وهكذا انتهت رحلتها لذلك اليوم.
المزيد من الأخبار
صرخات أصحاب الأخدود تعود في خيام النازحين
حكاية ارض
حكاية ارض