كتبت: هاجر حسن
استيقظت قطرة الندى باكرًا كعادتها في تمام الساعة الخامسة، جهزت حقيبتها ومظلتها استعدادًا للهبوط من السحب إلى الأرض. ودعت السماء بحنين، وبدأت رحلتها اليومية نحو الأرض. تساءلت في خفة، “أين سأقع اليوم؟ وما الذي سأراه من عجائب الأرض؟” ومع حلول الساعة السادسة، أكملت قطرة الندى ساعتها الكاملة في الهبوط، وأخيرًا، لامست الأرض برفق.
نظرت حولها لتكتشف أنها قد هبطت على قبعة طفلة صغيرة، لا تتجاوز الخمس سنوات من عمرها. شعرت بالحماسة، فهي تعشق الهبوط بالقرب من الأطفال. سمعت صوتًا ينادي الطفلة، “هيا يا مرام، علينا الإسراع.”
ألقت قطرة الندى نظرة خاطفة على مرام، فوجدتها طفلة ذات ملامح هادئة كالسماء الصافية، وعيون بلون البحر الأزرق، تملك ابتسامة بريئة تشفي القلوب. “أبي، لا أريد الإسراع، ماذا سأفوت غير جلسات الفحوصات والإبر؟” قالت مرام بصوت ناعم. توقف أبوها عن المشي، نظر إليها بعينين ملؤهما الحنان، وحملها على كتفيه قائلًا، “يا قلب أبيك، لكل داء دواء، والله يحب الصابرين.”
كان أبا مرام أكثر داعم نفسي لها، كان شعاع أمل، كأنه فيتامين بالقوة يغذيها. كانت علاقتهم قوية، منذ صغرها يبث بها قوة التعلق بالله والصبر والأمل، بالرغم من سنواتها الصغيرة، إلا أنها تعلمت منه، وأصبحت ذات عقل مميز لا يشبه أي عقل لطفل في مثل عمرها.
ظلت قطرة الندى تستمع لحديثهما، وشعرت بالتأثر لحال مرام الصغيرة. تساقطت منها قطرات صغيرة على وجه مرام، فتحسست الطفلة وجهها بدهشة وقالت، “أبي، السماء تمطر!” ضحك أبوها وقال، “كأن السماء ترسل لك رسالة محبة.” ضحكت مرام، ونظرت إلى السماء تشكرها، فكان قلب هذه الصغيرة معلقًا بالسماء، لا تشبع من النظر إليها.
ظلت قطرة الندى متشبثة بقبعة مرام الزهرية طوال الطريق إلى المستشفى، حيث كان الجميع يعرفها ويحييها بود. صعدت مرام وأبوها إلى الدور الثالث، حيث غرفة المتابعة، وانتظروا هناك.
بينما كانت مرام تنتظر دورها، رأت سيدة تجلس بالمقعد الذي بجوارها، تبكي بصمت واضعة كفيها على وجهها. ببراءة وفضول الأطفال سألتها مرام، “لماذا تبكين يا سيدتي؟” قالت لها السيدة: “لقد اكتشفت للتو إني مريضة.” قالت لها مرام: “لا بأس فأنا مثلك مريضة منذ عام مضى، ولكن أبي علمني أن أحارب بالأمل أي ألم، ولكل داء دواء، سأدعو لكِ الله أن يشفيكي.” تعجبت السيدة من قوة وصمود هذه الفتاة الصغيرة، وشعرت وكأن شعاع نور اخترق قلبها ليُحي به الأمل نحو الشفاء، ورددت قائلة: “حقًا من الصغار قد نتعلم نحن الكبار.”
مر الوقت، وبينما كانت قطرة الندى تنظر إلى ساعتها بقلق، إذ بالممرضة تخبر مرام للدخول للطبيب، وإذا بقطرة الندى تسمع الطبيب يخبر مرام بأن العلاج يؤتي ثماره وأن الشفاء بات قريبًا. شعرت قطرة الندى بالفرح لأجل مرام، التي علمتها معنى الأمل والتمسك بالحياة.
أوشكت الشمس على الغروب، فجهزت قطرة الندى مظلتها وتعانقت مع البحر وأشعة الغروب، وصعدت إلى السماء، وهكذا انتهت رحلة قطرة الندى لذلك اليوم.
المزيد من الأخبار
مكالمة بعد منتصف الليل
الأمير قمر الزمان
لعنة سنموت